شرطه ألا يمكن الجمع، أن يتعارض اللفظان ولا يمكن الجمع ولا الترجيح، فإن أمكن الجمع جُمع وإن لم يمكن أخذنا بالترجيح، فإن لم يمكن لا هذا ولا هذا فحينئذٍ نحكم بالاضطراب، والاضطراب هو أحد أسباب الطعن في الحديث.
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة: أخذ بعض العلماء منه أكثر من أربعين فائدة، ويمكن ألا يستطيع بعض العلماء أن يستخرج منه عشرين فائدة، ويمكن أن يكون من دون العلماء لا يستطيع أن يفهم إلا ست أو سبع؛ فوائد لأن الناس يختلفون في الفهم اختلافا عظيمًا. رُب نص واحد يأخذ منه بعض العلماء فوائد كثيرة وآخرون لا يأخذون منه إلا قليلاً من الفوائد، ولهذا قيل لعلي بن أبي طالب: هل خصكم النبي (صلى الله عليه وسلم) بشيء يعني: من العلم؟ قال:«والذي فلق الحبة وبرأ النّسمة إلا فهمَا يُؤتيه الله أحدًا في كتابه فهذا لا حدّ له وما في هذه الصحيفة، قالوا: وما في هذه الصحيفة؟ العقل وفكاك الأسير وألا يُقتل مُستلم بكافر، ثلاث مسائل والباقي: «فهم يؤتيه الله من شاء»، فتجد بعض الناس يأخذ من النص الواحد مسائل كثيرة والبعض لا يأخذ، فلنعد للحديث.
من فوائد الحديث: أنه يجوز التحدث عن المبهم إذا لم يتعلق بتعيينه فائدة لقوله: «جاءت امرأة»، ولم يُعينها.
وفي الحديث: جواز هبة المرأة نفسها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) هبة مجردة بدون عوض لقولها: «يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي»، وهل يقاس عليه غيره؟ لا، لا يجوز لامرأة أن تهب نفسها لأحد هبة مجردة عن العوض، ودليل ذلك قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب: ٥٠] فإن زوجت المرأة نفسها شخصا بدون مهر فالنكاح صحيح، وعليه مهر المثل، وحينئذٍ نقف هنا لنقسم هذه المسألة.
القسم الأول: أن يتزوج الرجل المرأة بمهر معين مثل أن يقول ولي المرأة: زوّجتك ابنتي بمهر قدره عشرة آلاف، فهذا جائز ولا حرج فيه بالاتفاق، وفي الحديث:«زَوَجُتُكها بما معك من القرآن».
القسم الثاني: أن يزوجها بمهر معين لكنه غير معلوم مثل أن يقول: زوِّجُتُكها بما في يدك من الدراهم وهو معه صرة من الدراهم هذا أيضا جائز ولا يضر فيه الجهل؛ وذلك لأن عقد النكاح ليس من عقود العوض التي تقع فيها المشاحة، ويكون كل من العاقدين يريد الربح المالي، عقد النكاح عقد متعة بقطع النظر عن عوضه؛ إذن هذا يصح.