للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استدل به بعض العلماء، والحقيقة أنه لا دليل في الحديث، أولاً: لأن هناك جوابًا مجملاً عن كل حديث يدل على أن المرأة يجوز أن تكشف وجهها عند الرجال الأجانب، هناك جواب مجمل وهو أن من المعلوم أن لكشف الوجه حالين: حال جواز، وحال منع، يعني: أن كشف الوجه في أول الإسلام كان جائز، فإن الحجاب لم يفرض إلا في السُنة الخامسة أو السادسة، فكل حديث يدل على أن المرأة تكشف وجهها عند الرجال الأجانب فإنه يحتمل أن يكون قبل الحجاب وإذا كان كذلك فلا دليل فيه، والقاعدة المعروفة عند العلماء في الاستدلال أن ما كان محتملاً لا يصح أن يكون دليلاً، لأن المحتمل له معنيان، فحمله على أحد المعنيين دون دليل يحتاج إلى دليل، ولهذا قالوا: إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فحينئذ نقول: هذا الحديث -حديث سهل- إن ثبت أن المرأة كاشفة وجهها فإنه محمول على ما قبل الحجاب، على أننا نمنع من كون هذا الحديث دالاً على كشف المرأة وجهها؛ لأنه لا يلزم من تصعيد النظر وتصويبه أن تكون كاشفة، فالإنسان قد يستدل على المرأة بهيكلها وبهاء جسمها ومقاطعه مثلاً؛ لأنه قد يستدل بالجملة على التفصيل، فليس فيه دليل واضح على أنها قد كشفت الوجه، وحينئذ تبقى النصوص الدالة على وجوب ستر المرأة وجهها عن الأجانب تبقى مُحكمة لا معارض لها.

ومن فوائد ألحديث: حُسن خلق الرسول (صلى الله عليه وسلم) من قوله: «ثمّ طأطأ رأسه وسكت»، لم يقل: لا أريدك وهو لا يريدها فلم يقل: أنا قابل، ولكن من حُسن خلقه أنه طأطأ رأسه هكذا وسكت. ومن فوائد الحديث: حُسن أدب هذه المرأة؛ لأنها جلست ولم تتكلم ولم تغضب وذهبت مع أن المقام يقتضي أن تغضب، لكن من أدبها (رضي الله عنها) وصبرها وتحملها أنها جلست لعل النيي (صلى الله عليه وسلم) يقبل لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا فجلست.

ومن فوائد الحديث: حُسن أدب الصحابة -رضي الله عنهم- في مخاطبة النبي (صلى الله عليه وسلم)، لقول الرجل: ما رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، ونظير هذا القول ذي اليدين حين سلم النبي (صلى الله عليه وسلم) من ركعتين في صلاة الظهر أو العصر، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) مَهيبًا يهابه أخص أصحابه به في القوم أبو بكر وعمر وهما أخص أصحابه فهابا أن يُكلماه، وفي القوم رجل له يدان طويلتان كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يمزح عليه يسميه ذا اليدين، فقال ذو اليدين: «يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ ». لا قال: نسيت، ولا قال: قُصرت، السرعان من الناس خرجوا يقولون: قصرت الصلاة، لكن هذا الرجل قال: أنسيت أم قصرت الصلاة، فيه احتمال ثالث لكنه بالنسبة

<<  <  ج: ص:  >  >>