للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال: إنه حليتهم تنفيرا من التشبه بهم لا من أجل كراهة الحديد ذاته. فالله أعلم، لكن ما دام عندنا حديث ثابت في الصحيحين فالأخذ به أولى، وهل يُقاس على ذلك ما تحفظ به الساعة وهو ما يسمى بالأستيك؟ يرى بعض العلماء أن يُقاس على الخاتم من الحديد وأنه لا يجوز للرجل - على القول بالتحريم أو الكراهة - أن يلبس هذا النوع من سيور الساعات، ولكن قد ينازع في ذلك؛ لأن الغالب أن المقصود من هذه السيور حفظ الساعة دون النظر إلى كونه حُلية، وإن كان بعض الناس قد يقصد هذا السير ولهذا تجده يختار شيئا معيّنا دون شيء آخر، لكننا إذا قلنا بأن الأصل وهو الخاتم ليس بحرام فهذا الفرع من باب أولى.

ومن فوائد الحديث: أن المهر يصح بالقليل والكثير لقوله: «انظر ولو خاتماً من حديد»، ويصح أيضا في المنافع كما سيأتي، ويستفاد من هذه الجملة: جواز لبس خاتم الحديد وحينئذ يطلب الجمع بينه وبين وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) خاتم الحديد بأنه حلية أهل النار والجمع إنما يُطلب عند التقابل للترجيح، وهذا الحديث كما رأيتم في الصحيحين حديث: «إنّ خاتم الحديد حلية أهل النار»، فإن كثيرا من العلماء ضعُفه وقال: إنه لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وحينئذ لا يكون مقاومًا لهذا الحديث الصحيح حتى يُطلب الجمع.

ومن فوائد الحديث: أنه يوجد في الصحابة الفقر العظيم بحيث إن الرجل لا يجد إلا ما يلبسه يؤخذ من قوله: «ولا خاتم من حديد ولكن هذا إزاري».

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجب ستر أعلى البدن، ووجهه: أن هذا الرجل ليس له رداء كما قال سهل: «ما له رداء»، ويدل لذلك أيضا حديث جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في الثوب: «إن كانَ واسعًا فالتحف وإن كان ضيقًا فائتزر به»، وقد صلى جابر نفسه (رضي الله عنه) بإزار، وكان رداؤه عنده يستطيع أن يلبسه.

ومن فوائد الحديث: جواز القسم أو الحلف بلا استحلاف؛ لأن الرجل حلف دون أن يستحلفه النبي (صلى الله عليه وسلم) فأقره النبي (صلى الله عليه وسلم) والنبي لا يقر على شيء مُحَرَّم، ولهذا كان من أدلة الجواز إقرار النبي (صلى الله عليه وسلم) للشيء كما كان العلماء - رحمهم الله - يستدلون بهذا على حل الشيء فيقولون: كان هذا يفعل على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم).

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان لا يجوز أن يبذل ضروراته لغيره لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «وإنْ لبسته لم يكن عليك منه شيء»، وظاهر هذا الحديث هذه الجملة فيها إشكال لقوله: «إن لبسته»، وذلك أن الإزار للرجال لا يماثل إزار النساء، وإذا كان لا يماثله فإن لبس المرأة للإزار يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>