حتى السقف الذي فوقنا يسمى سماء؛ لأنه من السمو, وهو الرفعة, فإذا كان الله في السماء حيث العلو المطلق لم يبق إشكال في أن تكون "في" للظرفية, وإذا جعلنا المراد بالسماء السماء المبنية فإنهم يخرجون "في" على معنى "على" أي: من على السماء ويستشهدون لمجيء "في" بمعنى "على" بقوله تعالى عن فرعون: {ولأصلبنكم في جذوع النخل}[طه: ٧١]. يعني عليها وبقوله تعالى:{قل سيروا في الأرض}[النمل: ٦٩]. أي: عليها, ليس معنى: سيروا فيها احفروا نفقًا تسيرون فيه.
الخلاصة: أن أهل السنة والجماعة يثبتون علو الله وانه فوق كل شيء وأنه في السماء, أي: في العلو المطلق ولا يقتضي ذلك شيئًا ممتنعًا على الله. وقوله:"ساخطًا عليها" منصوب على أنه خبر "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر, والسخط والغضب معناهما متقارب وهما صفتا كمال عند وجود سببهما؛ لأنهما يدلان على كمال القوة؛ لأن الساخط يشعر بأنه قادر على الانتقام فهو صفة كمال وكذلك الغضبان واعلم أن أهل التعطيل الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله ينكرون السخط والغضب ويقولون: إن الله لا يسخط ولا يغضب ينكرونه إنكار تأويل لا إنكار تكذيب وإلا كفروا يقولون يسخط ولكن بمعنى ينتقم أو يريد الانتقام فمعنى "ساخطًا" أي: مريدًا للانتقام منها أو منتقمًا منها ولكن لاشك أن تأويلهم هذا تحريف فهو تفسير للقرآن برأيهم لا بمقتضى اللغة ولا بمقتضى الشرع والدليل على هذا أن الله تعالى قال في كتابه: {فلما أسفونا انتقمنا منهم}[الزخرف: ٥٥]. فيجعل الانتقام غير الأسف والأسف وهو الغضب فجعل الانتقام غير الغضب وجعل الانتقام مترتبًا على الغضب وما يترتب على الشيء فليس هو فليس هو الشيء وهذا يرد تحريفهم للكلم عن مواضعه, لماذا قالوا: إن الله لا يغضب؟ قالوا: لأن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام ولهذا تجد الرجل إذا غضب يحمر وجهه؛ لأن أوعية الدم تحتقن بسبب غليان الدم ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم
"إنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب بني آدم" وبعض الناس تحمر حتى عيناه ترمي بشرر وبعض الناس يتنفش شعره حتى يكون وجهه كوجه الأسد فالحاصل أن الغضب جمرة فيقولون: الغضب غليان دم القلب وهذا ممتنع عن الله, ماذا نقول لهم؟ نقول إن الله ليس كمثله شيء فإذا كان هذا غضب المخلوق فإننا نجزم بأن غضب الخالق ليس كذلك بل هو غضب يليق به ونقول لهم ونحن نخاطب الآن الأشاعرة: ألستم تثبتوب لله إدارة؟ فسيقولون: بلى, نقول: الإرادة أن يميل الإنسان إلى الشيء إما الجلب منفعة وإما لدفع مضرة هم يقولون: الإدارة