أولادكم من إملاق} [الأنعام: ١٥١]. {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}[الإسراء: ٣١]. وانظر إلى البلاغة في القرآن لما قال:{ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} قال: {نحن نرزقكم وإياهم} فبدأ برزق الآباء لأنهم يقتلونهم من إملاق الفقر حاصل ولما قال: {خشية إملاق} قال: {نحن نرزقهم وإياكم}؛ لأنكم الآن أغنياء لكن تخافون الفقر فرزق هؤلاء الأولاد على الله. وقوله:"الوأد الخفي" يعني: الذي بظاهر؛ لأن الوأد نوعان: وأد ظاهر وهو أن يقتل الإنسان ابنته وهي حية ووأد خفي وهو أن يحاول منع الحمل ولكن هل هذا الوأد الخفي حرام أم لا؟ سيأتي -إن شاء الله- في بيان فوائد الحديث. أفادنا صلى الله عليه وسلم بقوله:"ذلك الوأد الخفي": أن الوأد نوعان كما ذكرنا ظاهر وخفي فالظاهر ما كانت الناس تفعله ف الجاهلية وهو: أن يدفن الإنسان ابنته وهي حية خوفًا من العار وذكرنا أن طائفة من العرب تدفن الأولاد الذكور والإناث خوفًا من الفقر وكلا الأمرين باطل منكر وهو يخالف حتى عادة الحيوانات نجد البهيمة ترفع حافرها عن ولدها مخافة أن تصيبه وتدافع عن الولد لو أنك أتيت هرة وهي على أولادها ترضعهم تهاجمك خوفًا على أولادها ثم تسمعها تأمر أولادها بالتردي تحن لهم حنا معينا؛ يعني: اخلوا مساكنكم لأجل ألا يصيبهم أذى هذا الخفي فهذا فسره صلى الله عليه وسلم بالعزل, عزل الرجل عن المرأة وأد خفي؛ لأنه فيه شيء من الحيلولة دون وجود الأولاد؛ لأن العزل من أسباب عدم الولد, وإن كان الله إذا أراد أن يخلقه ما متعه أحد ففيه شبه من الوأد وإن كان ليس كالوأد؛ لأن الوأد يدفنونه وهو حي, أما هذا فيمنع الحياة ففرق بين المنع وبين الرفع, العلماء يقولون: إن المنع أو الدفع أسهل من الرفع. أما هذا الحديث ففيه فوائد منها: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان اجتماعيًا يجتمع إلى الناس ويجتمع بهم ويحدثهم بما يناسب المقام والحال لقولها: "حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في أناس". ومن فوائده: أن هذا الدين الإسلامي مداره على منع الضرر وجلب النفع, تؤخذ هذه الفائدة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم أن ينهي عن الغيلة مخافة الضرر, فلما رأى الروم وفارس لا يضرهم شيئًا عدل عن هذا لم ينه سواء نظر في الروم وفارس أم لم ينظر, ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين تأخر في صلاة العشاء حتى مر عامة الليل قال:"إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي". ويدل لهذا أيضًا:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع أحيانًا عن طريق الوحي وأحيانًا عن طريق