للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد, ثم إن أقره الله على الاجتهاد فهو من شريعة الله وإن لم يقره ارتفع هذا التشريع, فمثلاً أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المنافقين الذين اعتذروا فقال الله له: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: ٤٣]. وحرم على نفسه العسل إرضاء لزوجته فقال الله له: {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: ١]. فإذا أقره الله عز وجل على حكم من الأحكام صار هذا الحكم من حكم الله كما أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقر أحدًا من الصحابة على حكم أو على فعل من الأفعال صار منسوبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى إقراره ويكون مرفوعًا صريحًا.

ومن فوائد الحديث: جواز الأخذ بما عليه الكفرة إذا كان نافعًا, فإذا وصفوا لنا دواء مع الثقة بهم أخذنا به وإذا فعلوا أشياء مفيدة أخذنا بها لقوله: "فنظرت في الروم وفارس .. " الخ؛ فلا حرج على الإنسان فيما يفعله الكفار من المنافع ليأخذ بها أو من المضار فيتركها.

ومن فوائد الحديث: أن الناس في الطبيعة والجبلة على حد سواء مسلمهم وكافرهم لكن بالنسبة للأخلاق الاختيارية يختلف الناس, فخلق المؤمن خير من خلق الكافر لكن بالنسبة للأمور الطبيعية التي هي من طبيعة البشر لا يختلف فيها المؤمن والكافر تؤخذ من مقارنة حال المسلمين بحال الروم وفارس في أمر طبيعي بمقتضى الطبيعة والجبلة, ولا يقال: إن هذا من باب إتباع الكفار والتشبه بهم, بل يقال: هذا باب الاقتداء بالكفار في أمور جرت عليهم بالتجارب وليست من باب الولاء والبراء يتفرع على اشتراك المؤمن والكافر فيما تقتضيه الطبيعة والجبلة, يتفرع على هذه الفائدة: ترجيح التسهيل في قوله تعالى: {أو نسائهن} [النور: ٣١]. وقد اختلف المفسرون هل المراد ب {نسائهن} أي: نساء المؤمنات, أو نسائهن؛ يعني: الجنس, يعني: النساء اللاتي من جنسهن والصحيح الثاني؛ وذلك لأن الطبيعة في الكافرة والمسلمة واحدة, فالمراد لا ننظر إلى المرأة كما ينظر الرجل إلى المرأة لا فرق بين المسلمة والكافرة كما أن الرجل لا ينظر إلى الرجل كما ينظر إلى المرأة لا فرق بين الرجل المسلم والرجل الكافر فهذا بمقتضي الطبيعة والجبلة أن المرأة نظرها إلى المرأة ليس كنظر إليها فبهذا يترجح القول بأن النساء هنا للجنس وليس المراد الموافقة في الدين وأما تعليلهم بأن الكافرة ربما تصف هذه المسلمة لغير المسلمين, فيقال: إن هذا المحظور إذا وجد منع من النظر حتى ولو كان بين مسلمة ومسلمة لو كنا يغلب على ظننا أن هذه المرأة المسلمة إذا نظرت إلى هذه المرأة ذهبت تصفها للناس كأنهم ينظرون إليها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>