يعد هذا من الجور، وهذا يظهر بالمثال: لو كان لك أولاد، فإنه من المعلوم أنه يجب عليك العدل بينهم في العطية، فإذا كان أحدهم متميزًا بطلب علم أو بكثرة أولاد فلك أن تفضله عليهم مراعاة للوصف المستحق لهذا، ومن ذلك أيضًا إذا كان أحدهم فقيرًا فإنك تعطيه أكثر ما تعطي الغني لدفع حاجته.
١٠١٥ - وعن أمِّ سلمه رضي الله عنه، "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا تزوَّجها أقام عندها ثلاثًا، وقال: إنَّه ليس بك علي أهلك هوان، إن شئت سبَّعت لك، وإن سبَّعت لك سبَّعت لنسائي". رواه مسلم.
أم سلمه تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت أبي سلمه، وقصتها مشهورة بأنها رضي الله عنها لما توفي زوجها وكان ابن عمها، وكان من أحب الناس إليها، قالت ما أرشد إليه النَّبي صلى الله عليه وسلم:"إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمَّ آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها"، وكانت تقول في نفسها: من خير من أبي سلمه؟ لا تريد بهذا استبعاد ما أخبر به النَّبي صلى الله عليه وسلم، لكن تدور في فكرها من خير منه؟ أبو بكر، عمر، فلان، فلان، فجاء من هو خير من أبي سلمه وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فخطبها وكانت ثيبًا كسائر نسائه، كل نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم ثيبات إلا واحدة فقط وهي عائشة رضي الله عنها، فتزوجها وأقام عندها ثلاثًا؛ لأنها ثيَّب، والسنة إذا تزوج الثيَّب أن يقيم عندها ثلاثًا ثم يقسم، ثم قال لها:"إنه ليس بك على أهلك هوان"، "على أهلك" يريد نفسه- عليه الصلاة والسلام-، "هوان" يعني: هونًا ولطفًا، بل أنت عندهم عزيزة غالية، فإذا قسمت بعد الثلاث فليس هذا عن هوان عليك، ولكن لأن هذا هو الحق، ثم قال:"إن شئت سبَّعت لك، وإن سبَّعت لك سبعت لنسائي"، أي: جعلت لك سبعًا، "وإن سبعت لك سبعت لنسائي" جعلت لهن سبعًا، وهذا الحديث واضح المعني.
وهذا الحديث زاد على الحديث الأول بمسألة وهي تخيير المرأة أن يبقي عندها سبعًا أو يقسم لنسائه بعد الثلاثة، ففي هذا الحديث من الفوائد ما ساقه المؤلف من أجله وهو إذا أقام عند الثيَّب ثلاثًا خيَّرها.
ومن فوائده: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أعتذر لأم سلمه، فينبغي لنا أن نتأسى به إذا عملنا عملاً واجبًا لا يرضى به قبيلنا فالأولى أن نعتذر.
ومن فوائده: أن الإنسان لا يحابي أحدًا في أمر الواجب، ولكن يعتذر منه عن نفسه في تطبيق الأمر الواجب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحاب أم سلمه ولكنه بين لها الواجب واعتذر.