وليعلم أن الإنسان يمكن أن يحول كل أفعاله ذكرًا لله؛ يعني: لا يتكلم إلا وهو يحتسب أجره على الله ولا يكف عن شيء إلا ويحتسب أجره على الله، ولا يعمل شيئًا حتىَّ يحتسب أجره على الله، حتى قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص:"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتَّى ما تجعله في فم امرأتك"، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا أنفق على نفسه فهو صدقة، فالموفق- وأسال الله أن يجعلني وإياكم منهم- يستطيع أن يحول العادات والشهوات عبادات وحينئذ يكون ذاكرًا لله فإذا أردت أن يبارك الله لك في عمرك وفي زمنك فعليك بذكر الله {الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم}[آل عمران: ١٩١]. ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس ذكرًا لله وأكثرهم ذكرًا لله؛ ولهذا بارك الله له في عمره وفي عمله في قوله وفي فعله.
١٠١٨ - ولمسلم: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى العصر دار على نسائه، ثم يدنو منهن". الحديث.
"الحديث" بالنصب؛ يعني: أكمل الحديث فهو مفعول لفعل محذوف تقديره: أكمل، أو اقرأ.
١٠١٩ - وعن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الَّذي مات فيه: أين أنا غدًا؟ يريد: يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة". متًّفق عليه.
وصدقت رضي الله عنها؛ لأننا نعلم من عدل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ألزمه الله به أو ألزم به نفسه أنه لن يكون عند عائشة وحدها دون رضا زوجاته؛ ولهذا كان في مرضه يقول: أين أنا غدًا؟ يشير إلى أنه يرغب أن يكون عند عائشة، ولما رأين هواه صلى الله عليه وسلم أذن له أن يكون عند عائشة، فكان عندها ومات في بيتها وفي يومها وفي حجرها، وآخر ما طعم من الدنيا ريقها، وهذه مناقب لعائشة رضي الله عنها؛ لأنه من المصادفات الَّتي أرادها الله عز وجل ليست صدفة في حق الله أنه مات في اليوم الذي هو يومها لا في يوم امرأة أخري، لأنه لو كان في يوم امرأة أخري لاختلف الزمان والمكان بالنسبة لعائشة، لا كان المكان مكانها والزمان ليس لها بل لغيرها، لكن الله عز وجل جعل الزمان والمكان لعائشة رضي الله عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون عند عائشة.
ففي هذا الحديث من الفوائد: أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يعتريه ما يعتري البشر، وجهه: أنه مرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا بشر مثلكم أنسي كما تنسون"، وكان يصيبه المرض، ويحتاج إلي النوم والأكل والتدفئة، ويحتاج إلى الدروع التي يتقي بها السهام، فهو بالنسبة للطبيعة البشرية كغيره من البشر:{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي}[الكهف: ١١٠].