للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٣٣ - وفي لفظ لأحمد: "طلق أبو ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثًا، فحزن عليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها واحدة". وفي سندهما ابن إسحاق، وفيه مقال.

ابن إسحاق صاحب السيرة وهو رحمه الله ممن عرف بالتدليس، والمدلس هو الذي يروي الحديث بلفظ يوهم السماع دون ممن يسمعه ممن نسبه إليه، فيقول مثلًا: عن فلان وهو ممن لم يسمعه منه لكن حدث به عنه فسقط الواسطة التي بينه وبين الشخص، ويقول: عن فلان، وقد ذكر أهل العلم بالحديث أن المدلس لا يقبل حديثه إلا صرح بالتحديث أو كان لا يرسل إلا عن ثقة، أو كان معروفًا بأنه لا يرسل، إلا إذا علم بصحة الواسطة أو بثقة الواسطة، مثل: ما يوجد في البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس كثيرًا، مع أن قتادة كان معروفًا بالتدليس، لكنه في البخاري ومسلم تتبع وجد بأنه ليس فيه ما يوجب الرد والتضعيف، وابن إسحاق في نفسه مقبول الرواية لكن فيما ينسبه إلى غيره إن كان بلفظ التحديث فهو متصل ومقبول، وإن كان بغيره فإنه يخاف منه لكن هذين الحديثين لهما شاهد في صحيح مسلم عن ابن عباس وهو الحديث الأول: "كان الطلاق الثلاث واحدة ... الخ". هنا يقول: "طلق أبو ركانة أم ركانة ... الخ" قوله: "راجع امرأتك" يعني: ردها إلى عصمة النكاح، وقوله: "قد علمت" يعني: علمت أنك طلقتها ثلاثًا في مجلس واحد، ولولا علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لكان استفصل وقال هل هذه الثلاث متفرقات كل واحدة بعد رجعة أو لا؟ لأن لو جاءك رجل يستفتيك يقول طلقت امرأتي ثلاثًا ألي رجعة؟ يجب عليك ولو كنت ترى الثلاث واحدة يجب عليك أن تسأل هل هذه آخر ثلاث تطليقات أو أن طلقتها في مجلس واحد أو بكلمة واحدة؟ إن قال بالأول فهي لا تحل له وإن قال بالثاني فهي على القول الراجح تحل له ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها دون أن يستفصل فقال: "إني طلقتها ثلاثًا قال قد علمت راجعها" واللفظ الثاني في رواية أحمد أنه طلق امرأته في مجلس واحد ثلاثًا يعني قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، هذا هو معنى طلقها ثلاثًا، وليس معناه: أنه فقال أنت طالق ثلاثًا؛ لأن التطليق طلق فعل لا بد أن يستقل كل فعل بنفسه كما لو قلت: سبح الله ثلاثًا فليس معناه أنه: قال سبحان الله ثلاثًا بل معناه قال: سبحان الله سبحان الله سبحان الله، ثم قال: "فحزن عليها" يعني: ظنَّا منه أنها لا تحل له؛ لأنه طلقها ثلاثًا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إنها واحدة، وإذا كانت واحدة ارتفع الحزن لأن بإمكانه أن يراجعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>