ففي هذا الحديث فوائد: أنه كان المفتي على علم بالقضية تحتاج إلى تفصيل فإنه لا يجب عليه أن يستفصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمراجعة وقال: "إني علمت أنك طلقت ثلاثًا".
ومن فوائده: أن الطلاق الثلاث يعتبر واحدة فله مراجعة الزوجة لقوله: "راجعها".
ومن فوائده: جواز مراجعة المستفتي لمن أفتاه حتى يتبين الأمر جليًا؛ ولهذا قال "إني طلقتها ثلاثًا"؛ لأنه لو أخذ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأول لأخذها على أي صفة كانت أراد أن يستفصل ويتتبع وهذا من أمانة المستفتي أن يتثبت لأن بعض المستفتين إذا كان له هوى واستفتي، ولو كان في استفتائه إجمال يسكت ويأخذ بظاهر الفتوى، والواجب على المستفتي أن يكون أمينًا لأنه يستفتي لدينه فيخبر بكل الواقع على وجه التفصيل ليبقي إفتاء المفتي مبني على أساس.
ومن فوائد الحديث: وقوع الطلاق الثلاث لكنه واحدة خلافًا للرافضة الذين يقولون: إن الطلاق الثلاث لا يقع.
١٠٣٤ - وقد روى أبو داود من وجه آخر أحسن منه:"أن ركانة طلق امرأته سهمية ألبته، فقال: والله ما أردت بها إلا واحدة، فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم".
هذا أيضًا يختلف عن الأول:"طلق امرأته ألبته"، كلمة "ألبته" يعني: طلاق القطع الذي ليس بعده صلة؛ لأن معنى ألبته يعني: القطع، فمعنى "ألبته" أي: الطلاق الذي ليس به صلة، وهو طلاق البينونة، وأعلم أن الصحابة يطلقون ألبته على الطلاق الثلاث لماذا؟ لأنها تقطع الصلة بين الزوج وزوجته فقال: والله ما أردت بها إلا واحدة والظاهر أنه فهم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يردها إليه إذا اعتبر الطلاق ثلاث كل واحدة طلقة فحلف أنه لم يرد بها إلا واحدة وكيف يمكن أنه لا يريد إلا واحدة وقد كررها ثلاثًا؟ يكون هذا على وجه التوكيد، فإذا قال لزوجته: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقال: أنا أقصد التوكيد، ما أردت أن الثانية غير الأولى، فإنه يقبل حتى على المشهور من المذهب وتكون الطلقة واحدة.
فإن قال: أنت طالق وأنت طالق ثم أنت طالق وقال أردت التوكيد لا يصح لماذا؟ لوجود حرف العطف فإذا قال: أنت طال ثم أنت طلق ثم أنت طالق وقال أردت التوكيد نقول: أما توكيد الأولى بالثانية فلا يصح لوجود حرف العطف والثانية صورتها غير صورة الأولى والتوكيد