للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٤٠ - وعن ابن عباس رضى الله عنها قال: {إذا حرم امرأته ليس بشيء، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: ٢١]. رواه البخاري.

هذا الحديث موقوف على ابن عباس؛ لأنه لم يرفعه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فهو من قوله، وإذا قال الصحابي قولًا فإن كان تفقهًا فهو كغيره، يستنبط الأحكام من الأدلة ويكون كغيره من الناس، لكنه لا شك أقرب إلى الصواب من غيره، وما قاله ابن عباس هنا تفقهًا؛ لأنه استدل له بقوله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، قوله: "إذا حرم الرجل" تحريم المرأة يقع على وجوه: الوجه الأول أن يقصد أنها حرام يقول إن الله حرم الزوجة خبرًا لا إنشاء، فهذا نقول له كذبت وليس بشيء لا يعتبر كلامه شيئًا؛ لأنه أخبر أن الله حرم الزوجة ونحن نعلم أن الله لم يحرم وهل يلزمه شيء؟ لا يلزمه إلا التوبة من الكذب، الوجه الثاني: أن يحرمها على سبيل الامتناع يعني يقصد بقوله لزوجته: أنت علي حرام الامتناع منها وتحريمها على نفسه لا تغيير حكم الله فهذا حكمه على القول الصحيح حكم اليمين، وظاهر حديث ابن عباس أنه ليس بشيء، فيحتمل أن يريد بقوله: "ليس بشيء" أي: ليس بشيء من الظهار، بدليل قوله: {لقد كان لكم ... إلخ}.

والنبي صلى الله عليه وسلم لما حرم نساءه وألى منهن، قال الله له {قد فرض الله لكم تحله أيمانكم} [التحريم: ٢].

هذا على أحد القولين في الآية ويحتمل أنه قال ليس بشيء؛ لأنه وإن حرم زوجته فإنها لا تحرم فيكون كالذي أخبر عن تحريمها وهي ليس بحرام، الوجه الثالث: أن يريد بقوله: هي حرام إنشاء التحريم الحكمي يعني كالذي يقول الخبز حرام يعني: يريد أن يحرم ما أحل الله فهذا حكمه حكم من حكم بغير ما أنزل الله لأن الله أحلى النساء وهو يريد أن يحرمها تحريمًا حكميًا فهذا حكمه من حرم ما أحل الله يعني: أنه على خطر عظيم قد يؤدي به إلى الكفر، الوجه الرابع: أن ينوي بالتحريم الطلاق لأن الطلاق فيه نوع من التحريم فإنه يحرم على الزوج ما يحرم بالطلاق فيريد بقوله: أنت علي حرام أو زوجتي علي حرام يريد به الطلاق فإذا أراد به الطلاق صار كناية فتطلق المرأة، الوجه الخامس: ألا ينوي شيئًا خرج من لسانه وقال: أنت علي حرام فقيل: إنه ظهار وقيل إنه يمين يعني: حكمه حكم اليمين؛ لأن كل من حرم شيئًا مما أحله الله له يقصد الامتناع منه فحكمه حكم اليمين وهذا القول الثاني أصح من أن نقول إنه ظهار لأن الظهار رخصه الله تعالى بمن ظاهر من زوجته فقال: أنت علي كظهر أمي، وهذا القول أشد من قوله: أنت علي حرام فإذا أطلق قوله: أنت علي حرام لم نصرفه إلى الظهار، بل نقول حكم هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>