فأكدت بنفي القسم ولا يمكن أن تكون "لا" هنا نافية لأنه لو كانت نافية ما صح القسم، وقوله:"والذي بعثك بالحق" أي: أرسلك به وهو الله عز وجل وقوله: "بالحق" لها معنيان الأول: أن بعثته حق، والمعنى الثاني: أن ما بعث به حق وكلاهما صحيح، وقوله:"بالحق" الحق في اللغة الشيء الثابت وضده الزائل، ولهذا يقال الباطل زائل، فالثابت هو الحق والزائل هو الباطل، وقوله:"لا والذي بعثك بالحق" اختار القسم بهذا الوصف لله عز وجل، لأنه يريد أن يقسم على أن ما قاله حق فيتناسب المقسم به والمقسم عليه وهذا من البلاغة، بمعنى: أن يأتي الإنسان بقسم مناسب لما يقسم عليه،
ولو تأملت الأقسام الواردة في القرآن لوجدت بين المقسم به والمقسم عليه تناسبًا، وما أحسن من استعان على هذا بكتاب ابن القيم رحمه الله التبيان في أقسام القرآن، فإنه ذكر فيه فوائد جمة في هذا الموضوع، ونبه على نكت لا تكاد تجدها عند غيره.
"ما كذبت عليها" أي: ما أخبرت عنها بكذب، وإذا انتفى الكذب وكان المقام مقام تصديق لزم من ذلك ثبوت الصدق، فهو لم يحتج أن يقول: وإنما أنا صادق؛ لأنه إذا نفى الكذب في مقام الدفاع عما أخبر به كان من لازم ذلك الصدق، وإنما قيدنا هذا بقولنا: في مقام الدفاع عن النفس؛ لأنه قد يكون الكلام لا صدقًا ولا كذبًا مشكوكًا فيه، لكن إذا نفى الإنسان الكذب في مقام الدفاع عن نفسه فإنما يريد بذلك إثبات الصدق، "ثم دعاها فوعظها" أي: ذكَّرها بما فيه التخويف والترهيب، قالت:"لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب" هذا تناقض هو يقول: لم يكذب وهي تقول: إنه كاذب وأتت بقسم مقابل لقسمه تمامًا، يعني: مماثل له والجملة التي أتت بها مؤكدة بثلاثة مؤكدات، القسم وإن واللام، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات لما كان كل واحد منهما لم يقر أجرى اللعان صلى الله عليه وسلم فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله، ثم ثنِّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله، لكن لا بد من شهادة خامسة يقول فيها الرجل: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما بفسخ وليس بطلاق؛ لأنه لو كان طلاقًا لقال: أمر أن يطلقها أو كلمة نحوها، بل هذا فراق وقوله:"ثم فرق" يحتمل معنيين، المعنى الأول: حكم بالفرقة، والمعنى الثاني أنشأ الفرقة فقال مثلًا: فرقت بينهما على المعنى الأول: حكم بالفرقة بمجرد اللعان وهذا هو المفهوم لأنه إذا تم اللعان حصلت الفرقة سواء، قال القاضي: فرقت بينكما أم لم يقل.
في هذا الحديث فوائد كثيرة: أولًا: إن كان السائل سأل عما لا يقع ولكنه عنده متوقع فهو شاهد، لما أنشدناكموه من قول الشاعر: