ولا يآثم، "أحدكما كاذب" وهذا متعين، لأنه إما الكاذب الزوج أو الزوجة، أي: إما الزوج بدعواه أنها زنت، وإما الزوجة في إنكارها ذلك، والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، قوله:"لا سبيل لك عليها" أي: لا طريق لك عليها برجعة أو عقد؛ لأن التحريم بينهما- بعد الملاعنة- يكون مؤبَّدًا، "فقال: يا رسول اله، مالي"، يريد بذلك المهر الذي أمهرها فقال:"إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت ... إلخ"، إن كنت صدقت فقد استحقته بما استحللت من فرجها؛ لأن المهر يثبت كاملًا بالوطء "وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها"، لأنها بعدت عنك الآن بعدًا تامًا ولأنك ظلمتها فلا يمكن أن تظلمها، مرتين فتأخذ المهر مع رميك إياها بالزنا.
من فوائد الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لقوله: "حسابكما على الله وأحدكما كاذب"، ولو كان يعلم الغيب لحاسب من يقتضي الواقع حسابه حساب الدنيا وهو العذاب بالحد.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا انتفى أحد النقيضين ثبت الآخر، يؤخذ ذلك من قوله:"أحدكما كاذب"، فإن انتفى الكذب في حق الزوج تعيَّن في حق الزوجة وإن انتفى في حقها تعين في حق الزوج، وهذا هو حكم المتناقضين، ولعلنا نستعيد ذاكرتنا بذكر النسبة بين الأشياء حيث ذكرنا فيما سبق أنها أربعة أقسام: التماثل والتضاد والتناقض والتخالف، هذه النسبة بين الألفاظ ومعانيها، فالتماثل: أن يكون كل لفظ بمعنى الآخر مثل الكذب والمين، والإنسان والبشر، التضاد: مثل لا يجتمعان ويرتفعان مثل السود والبياض، النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان مثل الحركة والسكون، بقي الخلافان يختلفان ولكنهما يجتمعان ويرتفعان كالسواد والقيام يكون الشيء أسود قائمًا ويمكن أن يرتفع فيكون أبيض قاعدًا.
ومن فوائد الحديث: أن العلاقات بين الزوجين تنقطع وتحرم المرأة تحريمًا مؤبدًا لقوله: "لا سبيل لك عليها".
ومن فوائده: أنه لا يريد المهر إلى الزوج ولو كان يعتقد أنها زانية؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: مالي قال: "إن كنت صدقت ... إلخ"، وفي لفظ أنه قال:"لا مال لك".
ومن فوائد الحديث: حسن إقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بإقرار الأحكام في قلوب العباد؛ لقوله:"إن كنت صدقت عليها ... إلخ" فإنه إذا كان قال هذا الكلام اطمأنَّ الإنسان أكثر.
ومن فوائد الحديث: أن المهر إذا استقر لم يسقطه زنا المرأة، لقوله:"فهو بما استحللت من فرجها".
ومن فوائده: أن المهر لا يستقر بالخلوة لقوله: "بما استحللت من فرجها"؛ ولقوله تعالى:{وقد فرضتم لهنَّ فريضةً فنصف ما فرضتم إلَّا أن يعفون}[البقرة: ٢٣٧]. الشاهد قوله: "من قبل أن