فإن تساووا في القرب فإن اتسع المال للنفقة فعم الجميع، وإن لم يتسع فأعط البعض لهذا والبعض لهذا بحسب الحاجة.
يستفاد من هذا الحديث: مشروعية القيام على المنبر عند الخطبة لقوله: "وهو قائم على المنبر".
ومن فوائده: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ما يناسب المقام فقد تكون خطبه مواعظ وقد تكون أحكامًا يعني ليست خطبه مواعظ دائمًا، قد تكون أحكامًا كما هنا.
ومنها: فضل المعطي على الآخذ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يد المعطي العليا".
ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتجنب السؤال والأخذ بقدر الإمكان، وجهه أنه إذا كانت يد المعطي هي العليا فيد الآخذ هي السفلى، ولا أحد يرضى أن تكون يده هي السفلى.
فإن قال قائل: هل هذا يدل على أن الأولى عدم قبول الهدية؟
قلنا: لا، الهدية شيء والسؤال شيء آخر بل قبول الهدية سنة بشرط أن تعلم أنه لم يهد إليك خجلًا، فإن علمت أن أهدى إليك خجلًا حرم الآخذ، فإن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها، ولكن هل يجب قبول الهدية أو لا يجب؟ يرى بعض العلماء أنه لو أهدى إليك شخص هدية بدون أن تستشرف نفسك لها فإنه يجب عليك القبول مستدلًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر:"ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه". والأمر للوجوب، ولكن الصحيح أنه لا يجب قبول الهدية مطلقًا إلا إذا خاف الإنسان من ردها مفسدة فهنا يجب درءًا للمفسدة، لو كان هذا الذي أهدى إليك لو رددت هديته لحصل بذلك قطيعة رحم لأنه قريبك ويجب أن تقبل هديته ولو رددتها صار قطيعة رحم فهنا يجب القبول، لا لذات الهدية ولكن لما يترتب على الرد من المفاسد، كما أن لو علمت أن هذا الرجل إذا قبلت هديته فسوف يجعلها دبوسًا معلقًا عليك، كلما حصل مناسبة يذكرك ويقول هذا جزاء الذي يحسن إليك ففي هذا الحال لا تقبلها؛ لأن هذا ضرر عليك، والله -سبحانه- نهى عن الإضرار بالنفس، وهذا يوجد كثيرًا من بعض العلماء، حيث يحصي الإنسان بقلبه أو بقلمه ما أعطى غيره فإذا حصل أدنى مناسبة قال: أنا فعلت وأنا تركت، فمثل هؤلاء لا تقبل هديتهم ردها؛ لأن هذا في الحقيقة يوجب عليك الذل والمهانة كما أن منه بالهدية حرام؛ لقوله تعالى:(يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)[البقرة: ٢٦٤].
الحالة الثالثة: أنه إذا علمت أنه إنما أهدى إليك خجلًا فهنا لا يجوز القبول، وكيف أعلم