للظن في صدق هذا المدعي، وأما كونها تكرر فإن تكرارها موافق للحكمة أيضًا لأن شأن الدماء عظيم والقسامة إذا ثبتت فيها الدعوى سوف يقتل المدعى عليه تقتل النفس وتنتقل من العصمة إلى الهدر فالأمر عظيم، ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف المدعي خمسين يمينًا فإن لكل لم تقبل دعواه وأما كونهم يحلفون على شيء لم يروه فإن الحلف على غلبة الظن جائز شرعًا لا على مجرد هوى، ولهذا نجد الصحابة رضي الله عنهم كما سيأتي في الحديث، "أبوا أن يحلفوا لورعهم"، لكن إذا كان إنسان عنده من القرائن ما يغلب على ظنه أن الأمر حصل فله حلف بناء على غلبة الظن.
فإذا قال قائل: هل لديكم دليل يدل على جواز اليمين على غلبة الظن؟
قلنا: نعم، قصة الرجل المجامع في رمضان ثم جاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم وأفتاه بأن يعتق رقبة فقال لا أجد قال فصم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكيناً قال لا أجد ثم جيء بتمر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الرجل وقال تصدق به فقال أعلى أفقر مني والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، أقسم فقال "والله" ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع احتمال أن يوجد بيت أفقر منه حتى لو فرض أن الرجل ليس عنده أي طعام يوجد أفقر منه يكون عليه دين مثلاً، يعني: لو قال قائل: بأن هذا الرجل حلف على أمر معلوم بأنه ليس عنده شيء فلا أحد أفقر منه قلنا: بل ربما تكون أحد أفقر منه يكون ما عنده شيء أيضًا عليه دين فيكون أفقر منه فالحاصل أن هذا يدل على أنه يجوز الحلف على غلبة الظن؛ ولهذا لو قال قائل: والله ليقدمن زيد غدًا ثم لم يقدم هل عليه كفارة؟ بناء على ظنه ليس عليه شيء إذا لم يقدر وإن كان المشهور من المذهب أن عليه كفارة لكن لا كفارة عليه لأنه حلف على شيء يعتقده، لكن لو قال والله ليقدمن بناء على أن أمر زيد بيده سيحظله ولم يحظله فعليه لأنه حلف على الفعل ولم يفعل، ومن ذلك أيضًا لو حلف على أمر ماض يظنه كذلك ولم يكن فهل عليه إثم؟ ليس عليه إذن تكون القسامة أو يكون الحلف في القسامة بناء على غلبة الظن لم يخرج عن قاعدة الأيمان؛ لأن القاعدة في الأيمان أنه يجوز الحلف على غلبة الظن.
١١٤٥ - عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، لكن رجالٍ من كبراء قومه: "أن عبد الله بن سهلٍ ومحيِّضة بن مسعودٍ خرجا إلى خيبر من جهدٍ أصابهم، فأتي محيِّصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتل، وطرح في عينٍ، فأتى يهود، فقال: أنتم والله قتلتموه. قالوا: والله ما قتلناه، فأقبل هو وأخوة حويصة وعبد الرحمن بن سهلٍ، فذهب محيصة ليتكلَّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبِّر