فتكلم أحد الصحابة مع الرجل سرًّا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بما ساررته؟ قال: قلت: بعها، فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن ثمنها حرام، ثم فتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر الذي فيها ولم يمنعه الرسول صلى الله عليه وسلم من إراقته لما كان قريبًا من مجلسه، وقد يكون هذا في المسجد ثم لم يأمر أن يغسل الراوية، وهذا يدل على طهارة الخمر، أما الدليل السلبي فنقول: الأصل في الأشياء الطهارة، فمن ادعى نجاسة أي عين من الأعيان طولب بالدليل، وقد علمتم للقائلين بأنه نجس دليلًا من القرآن وهو قوله تعالى:{با أيُّها الَّذين ءامنوا إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان}[المائدة: ٩٠]. والجواب عن الآية أن المراد بالرجسية هنا رجسية العمل؛ لأنه قال:{رجسٌ من عمل الشيطان}، ولأن قوله:{رجسٌ}، خبر عن أربعة أشياء: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والخبر حكم على المخبر عنه، وإذا كان بالإجماع أن ثلاثة من هذه الأربعة ليست نجسة نجاسة حسية لزم أن يكون الرابع مثلها لا فرق، وعلى هذا فيكون الدفع، أي: دفع من قال بالنجاسة واستدل بهذه الآية قالوا: وهو محرم؛ أي: الخمر، قلنا: وليكن محرمًا ولا شك في ذلك، لكن هل يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا؟ لا يلزم فها هو السُّم حرام وليس. بنجس، والدخان مثلًا حرام وليس بنجس، وبهذه الأدلة يتبين أن الخمر ليس بنجس، ويبنى على هذا ما أبتلي به الناس اليوم من أن بعد الأطياب تحمل كحولًا بنسبة كبيرة فهل يجوز أن يتطيب بها الإنسان، وهل إذا تطيب بها تكون ثيابه نجسة هذان سؤالان؟
أما الأول فنقول: الأولى ألَّا يتطيب بها؛ لأنه لا ضرورة إلى ذلك إذ إنّ هناك أطيابًا طيبة خالية من هذه المادة، والشيء الثاني: أنها من الأمور المشتبهة لقول الله تعالى: {إنَّما يريد الشَّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وع الصلاة فهل أنتم منتهون}[المائدة: ٩١]. وهذا يكون فيما إذا شربه، أما إذا تطيب به أو ادَّهن به فلا يحصل ذلك بلا شك، وعلى هذا فيبقى التطيب من الأمور المشتبهة، والأمور المشتبهة القاعدة فيها أنها تبيحها الحاجة، فإذا احتاج الإنسان إلى استعمال هذه الكحول لتعقيم جرح أو غير ذلك فهذا جائز ولا ريب فيه، حتى وإن كان فيها مادة كحول كثير لأنها حاجة، والتحريم فيه اشتباه، ولا يمكن أن نمنع ما كان فيه الاشتباه مع أن الأصل الحل، فإذا احتاج الإنسان إلى استعمال هذه الأشياء لتعقيم جرح أو ما أشبه ذلك فلا بأس.