ذبحه, ولم يقل: قد نحره مثلاً, وهي عندي محل توقف؛ لأنه تعارض فيها عموم هذا الحديث, وعموم قوله: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل", ويرجح الثاني -أنه لابد من إنهار الدم- أن عدم إنهار الدم وموت الحيوان ودمه فيه ضرر على الإنسان, والشارع ينهى عن كل ما فيه ضرر, فالظاهر أنه لا يحل إلا ما جرحه, إذا جرحه في أي موضع من بدنه فهو حلال.
ومن فوائد الحديث: أننا إذا شككنا في شرط الحل فإنه لا يحل لقوله: "وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل"؛ لأننا الآن تيقنا أن هذا الصيد قد مات إما بفعل الكلب المرسل أو بفعل الكلب المهمل أو بهما جميعًا, وشككنا في شرط الحل, والأصل عدم الحل, وليس هذا معارضًا لقولنا: إن الأصل في الحيوان الحل؛ لأن الحل في الحيوان يشترط لحله أن يذكي ذكاة شرعية.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى قاعدة معروفة عند العلماء وهي أنه إذا اجتمع مبيح وحاذر نغلب جانب الحذر, فهذا الذي قتل ونحن لا نعلم اشترك فيه الكلبان أو انفراد به أحدهما حصل فيه هذا الشيء اجتمع فيه مبيح وحاذر فغلب جانب الحذر.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنك لا تدري أيهما قتله", وهكذا ينبغي للمفتي أن يذكر ما يقتنع به المستفتي؛ لأنه إذا ذكر للمستفتي ما يقتنع به أخذ الفتيا بقلب مطمئن واستراح لها, ويمكن ذلك فتح باب للمناقشة, حتى لو كنت تعلم أنه مقتنع بما تقول وإن لم تعلل أو تلل, فالأحسن أن تعلل أو تدلل ما لم تخش بذلك اشتباهًا أو التباسًا؛ لأنه ربما لو لم يعلل للعامي يحصل ف ذلك التباس, العامي قل له: هذا حرام, هذا حلال, ودعه يذهب, لكن لو تقول: هذا حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا, وإذا كان في حديث آخر ظاهرة التعارض مع ما استدللت به قلت: ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا, ووجه الجمع بينهما: أن بينهما عموم وخصوص من وجه فيقدم هذا من جهة ... الخ, العامي يقول: ما هذا؟ لكن حسب الحال إذا كان عاميًا الأحسن أن نقول: حلالاً أو حرامًا, حتى لو كان في المسالة خلاف إن ترجح لك أحد القولين قل له ما ترجح عندك, وإذا لم يترجح عندك أحد القولين قل: هذا فيه خلاف, لو قال: أعطني الراجح, فهذه مشكلة يكون الإنسان في حيرة, فمثل هذا إذا كنت في بلد فيه من هو أعلم منك قل له: أسأل غيري وتسلم منه.