للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الحديث فوائد:

منها: منة الله - تبارك وتعالى- على هذه الأرمة؛ حيث خصها بخصائص لم تكن للأمم من قبلهم، وهذا داخل في ضمن قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: ١١٠]. ولم يرد سوى هذا اللفظ فيما سواها من الأمم؛ ورد في بني إسرائيل أن الله فضلها على العالمين، لكن قال العلماء: أي: عالمي زمانهم لا على كل العالم؛ لأن هذه الأمة بالاتفاق هي خير الأمم.

ومنها: فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أعطاه الله تعالى ما لم يعط أحدا من الأنبياء قبله.

ومنها: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث يجمع بعض الأشياء المتشتتة في سياق واحد؛ لأن ذلك أوعى للقلب وأسمع للأذن، ولم يلزم إذا خص عددا معينا في موضع ألا يزيده في موضع آخر كما قد بينا في الشرح.

ومن فوائد هذا الحديث: إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السلاح الفتاك في عدوه وهو الرعب، فقد نصر بالرعب مسيرة شهر، وما دون ذلك من باب أولى.

وهل يثبت هذا لأحد من أمته؟ الجواب: إذا كانت الأمة على سيرة نبيها صلى الله عليه وسلم ثبت لها ذلك ولا شك؛ لأن المعنى الذي نصر من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجد في أمته فالنصر باق كما قال الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} [التوبة: ٣٢]. وعلى هذا فنقول: إذا تخلف النصر عن الأمة فلابد أن يكون لذلك سبب، وأسباب الخذلان كثيرة:

منها: المعصية. ومنها: الإعجاب بالنفس. ومنها: عدم الإخلاص في الجهاد كالذين يقاتلون لأجل القومية العربية، أو غيرها من القوميات، فإن النصر ليس مضمونا لعدم الإخلاص؛ لكن قد يكون من اجل أن يسلطوا على الآخرين لا انتصارا لهم، أن النصر إذا تخلف في هذه الأمة فلابد أن يكون له سبب، وأما إذا قامت الأمة بما قام به نبيها صلى الله عليه وسلم وخلفاؤها الراشدون فإنه لابد أن يحصل النصر، ومن تتبع التاريخ علم الشاهد لذلك.

نتكلم الآن عن قوله: "مسيرة شهر" دائما يكون في الحديث مسيرة ثلاثة أيام، مسيرة شهر، وفي القرآن خمسين سنة، خمسين عاما وما أشبه ذلك، فالمسيرة هنا مسيرة الشهر، بأي شيء توزن المسيرة؟ قال العلماء: توزن المسيرة فيما هو غالب في ذلك الوقت، والغالب في ذلك الوقت سير الإبل المحملة على عادة المسافر لا السريعة ولا البطيئة جدا، كل ما وجدت مسيرة يومين أو ثلاثة أيام أو ما أشبه ذلك، فاحملها على أن ذلك على مسيرة الإبل المحملة التي جرت العادة بالقياس بها.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الله جعل الأرض مسجدا وطهورا، والجعل ينقسم إلى قسمين: قسم بمعنى الشرع، وقسم بمعنى التصيير والخلق، ففي قوله تعالى: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا

<<  <  ج: ص:  >  >>