للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهار معاشا} [النبأ: ١٠، ١١]. ما هذا؟ الخلق والتصيير، أي: صبرناه معاشا، {وجعلنا الليا والنهار ءايتين} [الإسراء: ١٢]. كذلك وفي قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة} [المائدة: ١٠٣]. أي: ما شرع؛ لأن البحيرة موجودة، العرب يفعلون البحيرة، والسائبة والوصيلة والحام، لكن {ما جعل} أي: ما شرع، هنا جعلت الأرض مسجدا من أي القسمين؟ الشرعي.

ومن فوائد هذا الحديث: أن جميع الأرض تصح فيها الصلاة، كل الأرض، فأي إنسان رآك تصلي وقال: صلاتك غير صحيحة في هذا المكان لابد أن تقول: ما هو الدليل؟ وعموم هذا يقتضي صحة صلاة الفريضة في جوف الكعبة، فتصح صلاة الفريضة في جوف الكعبة كما تصح النافلة، وصلاة النافلة ثبتت بها السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في جوف الكعبة. والأصل أن ما ثبت في النقل ثبت في الفرض، وعندنا هذا العموم: "جعلت لي الأرض مسجدا".

فإن قال قائل: الفريضة لا تصح في الكعبة، ولا في الحجر؟

سألناه هل الكعبة في السماء أم في الأرض؟ فسيقول: في الأرض، إذا قال: في الأرض، قلنا: ما الذي أخرجه من هذا العموم: "جعلت لي الأرض".

يبقى على هذا: ما الذي يستثنى لننظر؟

أولا: المكان النجس يستثنى، المكان النجس لا يصلى فيه، ودليل ذلك: أنه لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب عليه ذنوبا من ماء. وهذا يدل على أنه لابد أن تكون أرض المصلي طاهرة، وهذا نص صريج.

ثانيا: قول الله تعالى: {أن طهرا بيتي للطائفين والعكفين والركع السجود} [البقرة: ١٢٥]. وهذا يشمل الطهارة الحسية والمعنوية، هذا واحد؛ المقبرة لا تصح الصلاة فيها، ودليل ذلك أمرين:

الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي: "لا تصلوا إلى القبور".

فإذا نهى عن الصلاة إلى القبور - أي: تجعلها قبله له- خوفا من الفتنة والشرك، فالصلاة بينها من باب أولى ولا شك.

الأمر الثاني: أنه روى الترمذي بإسناد لا بأس به، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام". فالمقبرة لا يصح الصلاة فيها لا فرضا ولا نفلا سواء كان ذلك بين

<<  <  ج: ص:  >  >>