أما الصحيح من أقوال العلماء في هذه المسألة - أي: الصلاة في الأرض المغصوبة-: أن الصلاة صحيحة لكنه آثم، وذلك لانفكاك الجهة؛ لأن الصلاة طاعة من حيث أمر الله بها، والغصب معصية من حيث النهي عن أكل المال بغير حق، ولم يرد النهي عن الصلاة نفسها، لو قيل مثلا: لا تصلي في أرض مغصوبة بهذا اللفظ، لقلنا: الصلاة باطلة، كما قلنا: إن الصلاة تدخل في أوقال النهي بقوله: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع البشمس". فهنا لو صلى الإنسان صلاة ليس لها سبب بعد صلاة الفجر، لقلنا: صلاته باطلة، وهو آثم، لأن النهي هنا عن الصلاة.
فالصحيح: أن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة لكنه آثم بالبقاء، ووجه ذلك: انفكاك الجهة؛ والنهي لم يرد عن الصلاة نفسها، لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تصلوا في الأرض المغصوبة"؛ قلنا: إذن الصلاة باطلة كما قلنا ببطلان صلاة الرجل إذا صلى في وقت النهي.
المهم: ما هو الأصل في الأرض أن تصلح للصلاة أو لا؟ تصلح للصلاة، هذا هو الأصل، فأي إنسان يعترض قل له: هات الدليل، أما حديث عبد الله بن عمر في أنها لا تصح الصلاة في سبع مواطن. فهذا حديث ضعيف، ولا يعول عليه.
ومن فوائد حذا الحديث الشريف: أن جميع الأرض مكان للتيمم، لقوله:"وجعلت الأرض مسجدا وطهورا" كل الأرض، الأرض الحجرية يصح التيمم عليها؟ نعم، الرملية. نعم، الندية؟ نعم، كل الأرض جعلت مسجدا وطهورا.
فإن قال قائل: إذا كانت الأرض رملية أو ندية، أو حجرية فليس فيها غبار فلا يصح التيمم بها؟
قلنا: من قال أنه يشترط أن يكون فيها غبار والحديث عام، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس يسافرون في أيام الشتاء، وأيام الشتاء ما بين أمطار أو طل أو ما أشبه ذلك، وهو - عليه الصلاة والسلام- سافر إلى تبوك وفي طريقه الرمال الكثيرة، والناس يتيممون، على هذا فالتيمم على أي نوع من أنواع الأرض جائز سواء كان فيها تراب أو لا.
فإن قال قائل: أليس قد جاء في هذا الحديث: "جعلت تربتها لنا طهورا"؟
فنقول: إن كانت هذه اللفظة محفوطة - يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم- فهي من ذكر بعض أفراد العام بما يوافق حكم العام، وذكر أفراد العام بما يوافق حكم العام لا يفيد التخصيص كما هو معروف، اللهم إلا إذا كان هذا المخصص لوصف يقتضي الحكم، كما لو قلت: أكرم الطلبة، ثم قلت: أكرم المجتهد، فهنا يكون التخصيص، أما اللقب الذي هو مجرد اسم فهذا ليس