للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن "فأعاد أحدهما الصلاة" وفعل الوضوء، قوله: "لم يعد الآخر" يعني: لم يعد الصلاة، ولم يتوضأ، "ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة" أي: أصبت الطريقة الصحيحة؛ لأن السنة تطلق على الطريقة فيقال: سنة الرسول كذا وكذا، ويقال: سنة الخلفاء الراشدين كذا وكذا، وتطلق السنة بإزاء الواجب، وهذا مصطلح أهل الأصول؛ يعني: تنقسم الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام: الواجب، والسنة ... إلخ، ولكن إذا جاءت مطلقة في لسان الشارع فالمراد بها: الطريقة، سواء كانت على وجه الاستحباب أو على وجه الوجوب، يقول: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك" أي صلاة؟ ليس هناك أولى ولا ثانية، يعني: صلاتك التي صليت.

"وقال للآخر: لك الأجر مرتين" أما أحدهما- أي: أحد الأجرين- فهو تيممه وصلاته الأولى، وأما الثاني فبوضوئه صلاته الثاني، وإنما قال للثاني: "لك الأجر مرتين"؛ لأنه فعل الثاني؛ أي: الوضوء وإعادة الصلاة، متأولا ظانا أن هذا هو الواجب عليه، والمجتهد من هذه الأمة - والحمد لله- لا يمكن أن يحرم من الأجر، له الأجر إن أخطأ فأجر واحد، وإن أصاب فأجران، المهم أن الأجر مرتين على صلاته الأولى بالتيمم، وعلى صلاته الثانية بالوضوء، رواه أبو داود والنسائي.

في هذا الحديث فوائد، منها: أن طلب الماء لا يجب إذا كان الإنسان قد علم أنه ليس حوله ماء؛ لأن هذا السياق ليس فيه أنهما طلبا الماء ولم يجداه، بل قال: "ليس معهما ماء"، وهو كذلك؛ أي: إذا كنت في أرض تعلم أنه ليس حولك ماء فلا حاجة للطلب؛ لأن الطلب زيادة عناء وذهاب وقت، أما إذا كنت في أرض تجهلها فلابد أن تبحث فيما حولك هل يوجد ماء أو لا؟

فلو قال قائل: حتى لو كان يعلم أن هذا المكان ليس فيه ماء ألا يمكن أن يكون قد نزل المطر، وصارت الأرض غدران؟

نقول: هذا ممكن، لكن الأصل عدمه لاسيما في أيام الصيف.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الرجل إذا تيمم وصلى ثم وجد الماء فإنه لا يعيد الصلاة، وهذا له ثلاث صور:

الأول: إما أن يجد الماء بعد انتهاء الوقت؛ فهاذ لا إعادة عليه قولا واحدا.

الثاني: وإما أن يجده بعد الصلاة في الوقت؛ ففي ذلك خلاف بين العلماء منهم من قال: إنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، ومنهم من قال: لا.

والثالث: أن يجد الماء وهو يصلي مثل أن يكون له صاحب ذهب يأتي بالماء، أو تمطر السماء في أثناء الصلاة فيحصل الماء، فهذا أيضا فيه خلاف، لكن الخلاف فيه ضعف في كونه يستمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>