للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإيمان، لو هزل بشيء من آيات الله أو بشيء من أحكام الله أو بشيء من صفات الله أو بالله عز وجل ماذا يكون؟ يكون كافرًا. يقول: "اللهم اغفر لي جدي وهزلي ... الخ"، الجد ضد الهزل، يعني: ما يفعله الإنسان حقيقة، والهزل ما يفعله هزلاً ومزحًا وما أشبه ذلك، والإنسان تارة يكون قوله هزلاً وتارة يكون قوله جدًا، وتارة يكون فعله هزلاً وتارة يكون فعله جدًا لو أنك أشرت بشيء بعصا تريد أن تضرب بها شخصًا تمزح معه صار هذا هذلاً، ولو أنك ضربته صار جدًا، والإنسان يفعل هذا مرة وهذا مرة، وقد يزلّ في هذا وهذا، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يغفر له الجد والهزل.

"وخطئي وعمدي"، الخطأ: يعني ما أخطأ فيه الإنسان، وهو كقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٦٨].

فإن قال قائل: كيف يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يغفر خطأه مع أن الله تعالى قال: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال الله: قد فعلت، فما الجواب؟

قلنا: الجواب من وجهين: أولاً: قد يكون هذا الدعاء قبل نزول الآية؛ لأن الآية فيما تعلمون مدنية، وقد يكون هذا من أجل أن الإنسان قد يفعل الخطأ مع تقصير في معرفة الصواب، وهذا يقع كثيرًا؛ بمعنى: أن الإنسان يتهاون ولا يحتاط ولا يبحث بعمق عن معرفة الخطأ من الصواب، فيكون بذلك قاصدًا، "عمدي" ما فعلته عن عمد، وهنا نقول: كيف نقول "عمدي" يعني ما فعلته عن عمد مع أنا فسرنا "أغفر لي خطيئتي وجهلي" بأن الخطيئة: ما فعلته عن عمد؟ الجمع إما أن يقال: إن باب الدعاء لا بأس أن تكرر فيه الكلمات بمعنى واحد، وإما أن يقال: الخطأ الأول هو ترك الواجب، وفي الثاني فعل المحرم، الذي يخطئ فيه الإنسان كثيرًا.

"وكل ذلك عندي" هذا إقرار واعتراف من العبد بأن كل هذه الأشياء التي سأل الله أن يغفرها له كلها عنده، والإقرار بالذنب بالنسبة لله عز وجل هو دعاء؛ يعني: أنت إذا أقررت عند الله عز وجل فإنك إذا أقررت بذنبك فكأنك تتوب كقوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي علمه أبا بكر رضي الله عنه قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا"، هذا اعتراف بالذنب، وحقيقته: أنك تدعو الله عز وجل أن يعفو عنك ما ظلمت به نفسك.

"اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني" "ما قدمت" أي: مما يحتاج إلى مغفرة من تفريط في واجب أو فعل محرم، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك على سبيل التذلل لله عز وجل، وإلا فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على محرم، "وما أخرت" أي: ما

<<  <  ج: ص:  >  >>