للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حادث آخر مثل هذا الحادث أو أشد؛ فهنا يحسن أن نقول: ولقد جرى مثل هذا أو أشد قبل أيام أو ما أشبه ذلك على شخص صار له كذا وكذا؛ لأن هذا يبرد حرارة المصيبة ويهونها على الإنسان, والإنسان بشر والطبيعة واحدة, نأخذه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة: «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم».

ويستفاد أيضًا من هذه الجملة: أن هذا الحيض دم طبيعة وليس دم عقوبة كما قال بعض العلماء أنه عوقبت به نساء بني إسرائيل, فإن هذا الحديث يدل على أنه دم طبيعة مكتوب على بنات آدم كلهن.

خلاصة ما سبق: سبق لنا أن العلماء - رحمهم الله - اختلفوا في اشتراط الطهارة للطواف, وأن منهم من قال: إنها شرط في صحته, ومنهم من قال: إنها ليست بشرط في صحته, والقول الراجح: أنها ليست بشرط, وأنه يجوز للإنسان أن يطوف وهي على حدث أصغر, وذكرنا دليل من قال بالوجوب, والاشتراط؛ وأجبنا عنه؛ لأنه لا يمكن أن يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا طردًا ولا عكسًا, لا طردًا يجب فيه ما يجب في الصلاة من التكبير, والقراءة, واستقبال القبلة وغير ذلك؛ ولا عكسًا لأنه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة من التكبير, والقراءة, واستقبال القبلة وغير ذلك؛ ولا عكسًا لأنه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة من غير الكلام, فيجوز فيه الأكل والشرب ولا يبطله الضحك, وجميع مكروهات الصلاة لا تكره فيه, فالصواب: أنه لا يشترط فيه - أي: في الطواف - الطهارة, ولكن لا شك أن الأولى ألا يطوف الإنسان إلا على طهارة, [وذلك للآتي]:

أولًا: مراعاة لأكثر العلماء.

ثانيًا: أنه بعد الطواف سيصلي ركعتين, لابد أن يكون طاهرًا إذا صلى ركعتين.

ومن فوائد الحديث: وقد سبق في الحديث الذي قبله أن الإيمان يزيد وينقص, وأظن أننا لم نتكلم عليه كثيرًا, والقول الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص, وأنه يزيد من وجوه ثلاثة: من جهة اليقين, ومن جهة القول, ومن جهة الفعل:

من جهة اليقين: فإن الإنسان يزداد يقينه كلما قويت عنده الأدلة؛ ولهذا قال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: {رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: ٢٦٠]. ولأن الإنسان نفسه أحيانًا يكون عنده من اليقين ما يجعله كأنما يشاهد يوم القيامة, وأحيانًا تستولي عليه الغفلة ولا يكون عنده مثل هذا اليقين, والصحابة - رضي الله عنهم - أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا كانوا عنده كأنما يرون الشيء عينًا, وإذا عاسفوا الأهل والأولاد لم يكونوا على هذه الحال, فأخبرهم بأنهم لو كانوا مثل ما كانوا عنده لصافحتهم الملائكة في الأسواق.

<<  <  ج: ص:  >  >>