فإن قال قائل: إذا صلى قبل الوقت يظن أن الوقت قد دخل؟
فإننا نقول: يرتفع عنه الإثم؛ لأنه جاهل, لكن يؤمر بإعادتها في الوقت؛ لأن ذمته لم تبرأ, وإذا أخرها عن وقتها جهلًا يظن أن الوقت لم يدخل, أو نائمًا أو ناسيًا, فلا إثم عليه, وهل تجزئه؟ نعم تجزئه, ودليله من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها».
فإن قال قائل: هل يجوز أن يصلي الصلاة مع الشك في دخول وقتها؟
الجواب: لا؛ لأن الأصل عدم دخوله, فإن قيل: مع الظن؟ قلنا: نعم, يجوز أن يصلي مع غلبة ظنه لدخول وقتها, ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أشكل عليه عدد الركعات: «فليتحر الصواب ثم ليبن عليه». هذا دليل قولي, دليل إقراري: وهو أنهم أفطروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تغرب الشمس ثم طلعت الشمس, ولا شك أنهم مفطرون على غلبة ظن لا على يقين؛ لأنهم لو أفطروا على يقين ما طلعت الشمس لكن على ظن, إذن له أن يصلي إذا غلب على ظنه دخول الوقت, فإن تبين أنه قبل الوقت وجبت عليه الإعادة؛ لأنه تبين أن ذمته لم تبرأ.
ومن فوائد الحديث: الحكمة في توقيت الصلوات؛ بحيث لم يجعلها الله عز وجل في وقت واحد, فهي حكمة ورحمة, وجه ذلك: أنها إذا تفرقت في الزمن صار الإنسان دائمًا مع الله عز وجل لا يغفل؛ لأنه لو غفل فإّا الوقت قد جاء, ومن الحكمة: ألا يتعب الإنسان؛ لأنه لو أمرنا أن نقوم بسبع عشرة ركعة في آنٍ واحد لكان في ذلك تعب ومشقة؛ لا سيما إذا كان الإنسان قد ضعفت قواه لتعب أو ملل, أو ما أشبه ذلك, ومن الحكمة في توزيع الأوقات: قوة الصلة بالله عز وجل؛ لأن كثرة التردد توجب قوة الصلة, إذا كان لك صديق أو حبيب, كنت تتردد إليه دائمًا فهذا يقوي الصلة بلا شك, ولها حكم أخرى تظهر للمتأمل في الحديث الذي بعده.
ومن فوائده: أن النبي صلى الله عليه وسلم يبادر لصلاة العصر, وكذلك في الحديث الثاني الذي بعده: «والشمس مرتفعة» دليل على أن يبادر لصلاة العصر, وهذا هو السنة, إذن نستفيد منه: مشروعية المبادرة بصلاة العصر, وهل مثلها غيرها؟ الجواب: نعم, دلت السنة على أن مثلها غيرها, ويؤيده حديث أبي برزة الأسلمي؛ لأنه لما قال: «كان يستحب أن يؤخر من العشاء» دل على أن غيرها لا يستحب أن يؤخر منه, وقد دلت السنة بالتتبع على أن إيقاع الصلاة في الوقت له أحكام.
الأصل استحباب التقديم في جميع الصلوات إلا واحدة, ما هي؟ العشاء, هذه واحدة, فلا