المعنى؛ لأن كون التراب في الأولى يخفف النجاسة فيما بقي من الغسلات؛ إذ إن ما بعد الأولى لا يحتاج إلى تراب، وهذا لا شك أنه يخفف، لكن لو جعلناه في الأخيرة بقي الغسلات الست التي قبلها كلها تحتاج إلى تراب، وأضرب لك مثلا يبين الموضوع: إذا جعلنا التراب في الأولى ثم غسلناه الثانية وانساب شيء من الماء على ثوب أو على إناء إنسان فكيف يغسله؟ يغسله ست مرات بدون تراب لماذا؟ لأن التراب قد استعمل في الأولى، لكن لو جعل التراب في الأخيرة وانساب الماء في الثانية على شيء فإنه يغسله ستا إحداهما بالتراب؛ لأن التراب لم يستعمل في الغسلة الأولى فصار كون التراب في الأولى أصح أثرا وأصح نظرا، وعلى هذا فيكون هو المعتمد أولاهن بالتراب.
وهنا نسأل لماذا أتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث في باب المياه مع أن الأنسب أن يكون في باب إزالة النجاسة وبيانها؟ يقال: إنما أتى بها ليبين أن الماء القليل إذا ولغ فيه الكلب فإنه يجب اجتنابه ويكون نجسا حتى وإن لم يتغير؛ لأنه إذا كان يجب تطهير الذي تلوث بهذا الماء الذي ولغ فيه الكلب، فالنجاسة من باب أولى، فلهذا جاء به المؤلف رحمه الله في هذا الباب.
أما ما يستفاد من الحديث ففيه فوائد منها: أن الكلب نجس، وجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لابد من تطهير ما أصابه فقال: "طهوره أن يغسله". وهذا القول يكاد يكون كالإجماع، ويتفرع منه الرد على من قال بطهارة الكلب؛ لأن الحديث صريح في الرد عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب إذا صار الكلب صيدا أن يغسل ما أصاب فمه سبع مرات إحداهما بالتراب؛ لأن هذا من جنس الولوغ، بل ربما يكون أشد مما إذا شده على هذا اللحم، ويختلط باللحم اختلاطا بالغا، فيكون مثل الولوغ أو أشد، فهل هذا التقرير مناسب للحال التي كان الناس عليها في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام- وكانوا يصيدون بالكلاب، ولم ينقل حرف واحد أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- أمر بأن يغسل ما أصاب فم الكلب؟ لا، ومن ثم اختلف العلماء في هذه المسألة؛ فمن العلماء من قال: إنه يجب أن يغسل الصيد فيما أصاب فم الكلب؛ لأن هذا مثل الولوغ أو أشد، ويغسل سبع مرات إحداهما بالتراب، ومعلوم أن التراب يلوث اللحم وربما يفسده، فيكون في ذلك إفساد للمال لكن يقولون: الفاسد شيء يسير يكشط بالمدية وينتهي، لكن كيف نتخلص من هذا - أي: التراب-؟ بأن نغسله بالصابون؛