للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن العلماء يقولون: إذا تعذر استعمال التراب فإنه يحل محله الصابون ونحوه مما يكون تنظيفه قويا، لكن القول الراجح - أقصد القول الثاني في المسألة-: أنه لا يجب؛ وذلك لأن الناس كانوا يصيدون بكلابهم في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام- ويسألون الرسول عن حكم ما صاده الكلب ويخبرهم بالحكم، ولا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى وجوب غسل ما أصاب فمه، وهذا يدل على أنه معفو عنه.

ولا تعجب أن الله تعالى يرفع الضرر والحرج عن الأمة بحيث يزول أثر النجاسة بالكلية، أرأيت إن اضطر الإنسان إلى ميتة وأكل منها هل تضره؟ لا، لكن لو كان غير مضطر تضره، فالله - سبحانه وتعالى- يجعل الضرر والمنفعة ويدفع الضرر بأمره، فإذا تبين أن الصحابة - رضي الله عنهم- كانوا يصطادون بكلابهم، ويسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأحكام ولم يبين لهم لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه يجب عليهم الغسل، دل ذلك على عدم الوجوب فيكون ذلك معفوا عنه، وهذا القول هو الراجح وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الكلب إذا بال على شيء فإنه يغسل سبع مرات إحداها بالتراب؛ يعني: لو بال في الإناء وجب أن يراق بوله ويغسل الإناء سبع مرات إحداهما بالتراب وجه ذلك: أنه إذا كان الريق وهو أطهر من البول يجب غسل الإناء بعده سبع مرات إحداها بالتراب فالبول من باب أولى، العذرة من باب أولى، وهذا هو الذي عليه الجمهور، فقالوا: إن جميع نجاسة الكلب لابد أن تغسل سبع مرات إحداهما بالتراب، وقال الظاهرية: إنه لا يجب التسبيع في الغسل واستعمال التراب إلا في الولوغ فقط، أما البول والعذرة فإنهما كسائر النجاسات، وهذا ظاهر على مذهبهم وطريقتهم؛ لأنهم يمنعون القياس، وقال قوم من أهل القياس: إن هذا الحكم في الولوغ فقط، والبول والعذرة كسائر النجاسات، وعللوا ذلك بأن الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد الرسول - عليه الصلاة والسلام-، وأيضا الرسول- عليه الصلاة والسلام- يعلم أن الكلاب تبول في أمكنة الناس ومجالسهم ولم ينبه على ذلك، ثم عللوا أيضا تعليلا طيبا وقالوا: إن ريق الكلب فيه خصيصة لا توجد في بوله وروثه، وهي عبارة عن فيرس أو شيء يعرفونه أهل الطب - دودة شريطية- هذه تكون في ريق الكلب وتعلق في الإناء، ثم إذا استعمل الإناء بعد ذلك وهو قد تلوث بهذا وأكل الإنسان من هذا الإناء أو شرب فإن هذه الدودة الشريطية تعلق بالمعدة وتخرقها، وأنه لا يزيلها إلا التراب.

والمسألة عندي أنا متأرجحة؛ إن نظرنا إلى رأي الجمهور وإلى أن قبح البول والعذرة أكثر من الريق، قلنا: القول ما قال الجمهور، وإذا نظرنا إلى أن الأبوال والأوراث من الكلاب في عهد

<<  <  ج: ص:  >  >>