استأجرك على أن تؤذن, كم أذانًا في اليوم والليلة؟ خمسة, قال: لكني أؤذن كل أذانٍ بكذا, يريد أن تكون له أجرة, حتى إذا تخلف يخصم عليه, ولو نقص في الأذان يخصم عليه, فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» , التعليل: لأن عمل الآخرة لا يمكن أن يتخذ وسيلة للدنيا, الآخرة أعظم وأشرف من أن تكون وسيلة لأمر الدنيا, الدنيا وسيلة الآخرة, وليست الآخرة وسيلة الدنيا؛ لأن الله يقول: {بل تؤثرون الحياة الدنيا (١٦) والآخرة خيرًا وأبقى} [الأعلى: ١٦ - ١٧].
فإن قال قائل: ما شأننا مع الواقع الآن الأئمة والمؤذنون يأخذون أجرًا؟
فالجواب: أن هذا ليس بأجر بل هو رزق من بيت المال للمصالح العامة, ومن المصالح العامة: الأذان, والإقامة, كما أن العلماء يأخذون أجرًا على تدريسهم لا لأجل العوض؛ ولكن لأن هذا من بيت المال الذي يصرف للمصالح العامة؛ ولهذا قال الفقهاء: لا يحرم أخذ رزق من بيت المال إذا لم يوجد متطوع - حماية بيت المال عند العلماء - فإن وجد متطوع تحصل به الكفاية حرم أن يعطى المؤذن من بيت المال؛ لأنه لا داعي له الآن, وإذا لم يكن له داعٍ فلا يجوز, إذا أخذنا من بيت المال - مثلًا - عشرة ريالات لهذا المؤذن صار حرامًا؛ إذ إن عشرة ريالات تنفع بيت المال.
لو كان جعالة ليس أجرة بأن قال: من أذن في هذا المسجد فله كل شهر كذا وكذا, فهذه فيها خلاف, منهم من يقول: لا بأس بها, ومنهم من يقول: فيها بأس؛ لأن هذا المؤذن إنما جاء من أجل العوض.
١٨٨ - وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم». الحديث أخرجه السبعة.
«الحديث» يعني: اقرأ الحديث؛ فهي منصوبة بفعل محذوف تقديره: «اقرأ الحديث» يقول: «إذا حضرت الصلاة» «أل» في قوله: «الصلاة» للعهد الذهني, والمراد بها: الصلاة المكتوبة, وهي خمس معروفة, والمراد بحضورها: دخول وقتها وإرادة فعلها وقوله: «فليؤذن لكم أحدكم» الفاء رابطة لجواب الشرط, واللام للأمر, وقوله: «فليؤذن لكم أحدكم» يعني: بحيث يسمعكم؛ لأنه إذا لم يسمعهم فإنه بمؤذن لهم.
وقوله: «عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه». ومالك بن الحويرث وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الوفود؛ أي: العام التاسع, وبقي عنده عشرين يومًا, وكان معه وفد كلهم شباب, فلما مضت العشرون