ورآهم النبي صلى الله عليه وسلم اشتاقوا إلى أهليهم أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم فيقيموا فيهم, ويعلموهم ويؤدبوهم وأوصاهم بوصايا, منها ما ذكر في هذا السياق, ففعلوا وانصرفوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم متعلمين ممتثلين فيما وصاهم.
ففي هذا الحديث فوائد: أولًا: أن الأذان لا يصح قبل دخول الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصلاة» , ولا يمكن أن تحضر قبل دخول الوقت.
ومن فوائد الحديث: أهمية الصلاة؛ حيث فرض النداء لها.
ومن فوائد الحديث: وجوب الأذان لقوله: «فليؤذن» , واللام للأمر, والأصل في الأمر في العبادات الوجوب.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب أن يسمع المؤذن من يؤذن لهم بحيث يرفع صوته حتى يسمعه من يؤذن لهم, فإن أذن في جهة بعيدة وحضر, يعني مثلًا: أنه في البر وذهب أحدهم, ولما حان الوقت أذن في مكان ليس حوله أحد من قومه, ثم حضر إليهم, هل يكتفي بهذا الأذان؟ لا, لأنه لم يؤذن لهم, لابد أن يسمع من يؤذن لهم.
ومن فوائد الحديث: أن الأذان فرض كفاية لقوله: «أحدكم» وهو كذلك, وليس فرض عين.
ومن فوائد الحديث: أن إجابة المؤذن غير واجبة - يعني: متابعته - إن تابعه الإنسان وأتى بما يسن بعد المتابعة, وإن لم يتابع فلا شيء عليه, وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الآخرين بالمتابعة مع أن الحال تقتضي بيان ذلك لو كان هذا واجبًا؛ إذ إن هؤلاء قوم وفدوا تعلموا شرائع الإسلام عن قرب ورجعوا إلى أهليهم, وهذا القول هو الصواب, وهو الذي عليه جمهور العلماء, وذهب أهل الظاهر - رحمهم الله - إلى أن إجابة المؤذن واجبة, وأخذوا بالأمر «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» , ولكن الصواب مع الجمهور, وأن إجابة المؤذن في أذانه سنة لا يأثم الإنسان بتركها, هنا لم يبين من الأحق بخلاف الإمامة قد بين من الأحق, فيقال: الأحق: الأعلم بالوقت, والأوثق, والأندى صوتًا, هذا عند ابتداء تنصيب المؤذن نختار من جمع هذه الأوصاف.
ومن فوائد الحديث: أن الأذان لا يصح إلا من واحد لقوله: «أحدكم» , فلو رع في الأذان فلما بلغ «حي على الصلاة» أكمله آخر؛ فالأذان لا يصح؛ لأن الحديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «فليؤذن لكم أحدكم».
فإن قال قائل: لو شرع في الأذان ثم أتاه من يمنعه من إكماله بأن أغمي عليه, أو ما أشبه ذلك وأكمله آخر؛ لم يصح, إذن ماذا يعمل؟ يعيد الأذان من جديد.
***