فنقول: انظر ما تطمئن إليه نفسك واتجه إليه {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: ١١٥]. من ذلك ما ذكر المؤلف رحمه اللهك
٢٠٢ - وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ مظلمةٍ, فأشكلت علينا القبلة فصلينا, فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة, فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: ١١٥]». أخرجه الترمذي وضعفه.
«نزلت» يعني: الآية. يقول: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة» وهذا في سفر لا شك, وأنهم لو كانوا في المدينة لم يشكل عليهم, وقوله: «فأشكلت علينا» الإشكال هو ضد الوضوح, وكأنهم تشاوروا فيما بينهم فأشكل عليهم الأمر, وهذه الجملة تدل على أن القوم تحروا واجتهدوا, قوله: «فصلينا, فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة». «لما طلعت الشمس» يعني: بعد أن انجلى الغيم وطلعت الشمس. «إذا نحن صلينا إلى غير القبلة».
«لما طلعت الشمس إذا نحن» «إذا» هذه يسمونها إذا الفجائية. «إذا نحن» يعني: فاجأنا أننا صلينا إلى غير القبلة, فنزلت هذه الآية: {فأينما تولوا فثم وجه الله} , والآية التي نزلت ليست: {فأينما تولوا} , التي نزلت {{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} , لكن أحيانًا يقولون نزلت الآية ويقتصرون على بعضها, {فأينما تولوا} هذه جملة شرطية {فثم وجه الله} جواب الشرط, و (ثم) بمعنى: هناك ومن باب الاستطراد, نسمع كثيرًا من الناس يعبر عن (ثم) يقول: (ثم) وهذا غلط ظاهر؛ لأن (ثم) حرف عطف, وليست (ثم) التي ضمنت ظرفًا.
ففي هذا الحديث دليل على فوائد منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لو كان يعلم الغيب لعلم أين تكون القبلة.
ومنها: أن من اجتهد أو تحرى ولم يصب القبلة فليس عليه إعادة؛ لأن الله تعالى قال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} , ولكن يشترط في هذا ألا يكون فرط في التقصي عن القبلة, فإن كان فرط فعليه الإعادة؛ لأنه ترك شرطًا من شروط الصلاة. مثال المفرط: رجل نزل ضيفًا عند قوم وأراد الصلاة, ولم يسأل أهل البيت أين القبلة, لكن وقع في قلبه أن القبلة إلى جهة ما, فصلى إلى هذه الجهة, وتبين أنه إلى غير القبلة؛ فهذا يعيد الصلاة؛ لأنه لم يتق الله ما استطاع, أخل يركن من أركان الصلاة دون أن يتقي الله ما استطاع, فإن قال له أهل البيت: القبلة هاهنا وصلى إليها ثم تبين أن أهل البيت مخطئون فليس عليه شيء؛ لماذا؟ لأنه اتقى الله ما استطاع,