للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبور» أي: متجهين إليها, والمراد: الجنس, فيشمل القبر الواحد كما في قوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المساجد} [البقرة: ١٨٧]. ومعلوم أن الإنسان لا يعتكف إلا في مسجد واحد, والقبور مدفن الموتى, هذه القبور مدافن الأموات قال الشاعر: [الطويل]

لكل أناسٍ مدفن في فنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد

ولولا أن الله تعالى ينشئ أقوامًا آخرين لفنيت الخليفة, وقوله: «ولا تجلسوا عليها» الجلوس معروف, أي: تقعدوا عليها, أي: على القبر.

والشاهد من هذا الحديث قوله: «لا تصلوا إلى القبور» فيفيد النهي عن الصلاة للقبر؛ بحيث يكون القبر بين يدي المصلي, حتى وإن لم يكن في مقبرة؛ لأنه سبق لنا أن المقبرة لا يصلى فيها, ولو كانت القبور في الخلف لكن هذا صلاة إلى القبر لنفرض أن قبرًا في الفضاء جاء رجل يصلي إليه, نقول: هذا حرام لا تصلي إلى القبر, والحكمة من النهي: لأن ذلك وسيلة إلى الإشراك به, فإن الإنسان قد يصلي أولًا لله عند هذا القبر, ثم يقع في نفسه تعظيم صاحب القبر فيصلي لصاحب القبر؛ فيكون هذا وسيلة للشرك الأكبر, والشرع له نظر وقصد في سد ذرائع الشرك بأي حال من الأحوال, وكلما كانت النفوس في الشيء أطمع كانت وسائله أمنع؛ لأن النفس تدعو إليه فإذا لم يوجد ما يحرم منه ويبعد عنه فإن النفس قد تقع فيه كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه, فإذا قال قائل: ما حد هذا؟ قلنا: ما جرى به العرف, أو في مقدار ثلاثة أذرع ونحوه, أما لو كان بعيدًا فإن هذا لا بأس به.

فمن فوائد الحديث الآن: تحريم الصلاة إلى القبر.

ومن فوائده: أنها - أي: الصلاة في القبر - باطلة, وإن كان مكان الصلاة طاهرًا فإنه مكان منهي عنه بخصوصه فيقتضي بطلان الصلاة, وعلى هذا فيضاف إلى ما سبق من كونه مكانًا لا تصح فيه الصلاة.

ومن فوائده: أننا نعرف به ضلال أولئك القوم - في المسجد النبوي - الذين يتقصدون أن يدعوا الصف الأول ليكونوا خلف الحجرة النبوية, وهم يقصدون أن يكون القبر أمامهم مع أن القبر بعيد عنهم بواسطة ما أحيط به من الجدران, لكن هم يريدون هذا, ومن أراد الشيء وإن لم يصل إليه فإنه يعاقب فهؤلاء ضلال في الواقع, أن يذهبوا قصدًا للصلاة خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد هذا الحديث: سد جميع ذرائع الشرك, ويتفرع على هذا أنه يجب على الإنسان أن يراعي مقام الإخلاص لله عز وجل, وأن يكون أحرص عليه من كل شيء أن يسلمه عمل أو قول أو عقيدة؛ أعني: الإخلاص لقول الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: ٥٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>