فإذا كان هذا هو القصد من الحياة أن يعبد الإنسان ربه فإنه يجب عليه أن يحافظ عليه كما يحافظ على دمه أو كثر.
ومن فوائد هذا الحديث: النهي عن الجلوس على القبر, والنهي هنا للتحريم؛ لأن هذا هو الأصل في النهي؛ ولأن الجلوس عليه فيه نوع امتهان للقبر, وقد ورد الوعيد في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم:«لأن يجلس أحدكم علىجمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على القبر». يعني: هذا أهون له من أن يجلس على القبر. هذا الحديث يدل على أنه حرام, بل لو قيل: إنه من كبائر الذنوب لكان له وجه, أي: الجلوس على القبر.
ومن فوائد هذا الحديث: الجمع في النهي عن الغلو في القبور, وعن امتهان القبور, من أين يؤخذ الغلو؟ من النهي عن الصلاة إليها؛ لأن هذا يؤدي إلى الغلو فيها, وعن امتهانها من النهي عن الجلوس عليها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن حق المسلم باقٍ بعد موته, يعني: حق المسلم من الاحترام اللائق به باقٍ ولو بعد الموت؛ ولهذا لا يصح أن تركب على قبره لما فيه من الانتهاك مع أن الميت لا يباشر هذا الامتهان, لكن كونك تجلس في بيته وهو القبر امتهان له, فيستفاد من هذا: أن حرمة المؤمن باقية ولو بعد الموت ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كسر عظم الميت ككسره حيا». ويتفرع على هذا أن أولئك الذين يمتهنون الموتى بقطع أوصالهم بعد موتاهم قد أخطئوا؛ لأن هذا نوع امتهان لهم, من يرضى أن تقطع يده أو كبده أو كليته أو ما أشبه ذلك؟ لا أحد يرضى, حتى لو رضي ليس له الحق؛ لأن بدنه عنده أمانة؛ ولهذا قال الله عز وجل:{ولا تقتلوا أنفسكم}[النساء: ٢٩]. ولهذا نص فقهاء الحنابلة على أنه يحرم قطع عضو من الميت, ولو أوصى به ليس له الحق أن يتصرف في نفسه مع أنه ترتب على جواز بتر الأعضاء وبيعها أو ما أشبه ذلك محظور عظيم فيما نعلم بالسماع, يقولون: في بلاد ما يختطفون الصبيان ثم يبقرون بطونهم ويستخرجون أكبادهم وقلوبهم وكلاهم للبيع؛ لأن الكبد تباع بملايين, فهذا لو فرض أنه مباح وترتب عليه هذه المفسدة لمنع.
ومن فوائد الحديث: جواز الاتكاء على القبر, وهذا غير الجلوس, لكن إذا عده الناس عرفًا امتهانًا فإنه لا ينبغي أن يتكئ عليه؛ لأن العبرة بالصورة, وما دامت الصورة تعد امتهانًا في عرف الناس فإنه وإن كانت مباحة ينبغي تجنبها.