فإن قال قائل: إذا وقع الأذى أو القذر في المسجد فمن المسئول؟
قلنا: هذا فرض كفاية على المسلمين عمومًا؛ ولهذا لما بال الأعرابي في المسجد قال - عليه الصلاة والسلام -: «أريقوا على بوله سجلًا من ماء». فيجب فرض كفاية على المسلمين أن يطهروا المساجد, فإذا كان هناك مسئول فليبلغ المسئول, فحينئذٍ نقول: يجب إما أن يباشر الإنسان إزالة الأذى والقذر بنفسه, وإما أن يبلغ المسئول, فإذا بلغ المسئول برئت ذمته, لكن لو فرض أن المسئول لم يقم بالواجب, وجب على من علم به مع القدرة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن مسح النعلين بالتراب يطهرهما, وظاهر الحديث العموم, حتى لو فرض أن فيما بين المخارز شيئًا من الأذى فإنه معفو عنه ما دام ظاهر أسفل الخف نظيفًا فما بين المخارز يشق التحرز منه, ولو قلنا بأنه لابد أن يدخل المسح إلى ما بين المخارز لكان في هذا مشقة, وكان الغسل أسهل من ذلك لكن هذا مما جرى العفو عنه.
وهذا الذي دل عليه الحديث هو مقتضى سماحة الشريعة وتيسير الشريعة؛ وذلك لأنه لو ألزم العبد بالغسل لكان في ذلك مشقة, لاسيما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والمياه قليلة حول المسجد, ثم في إيجاب غسلها ضرر من وجه آخر وهو إفساد النعل, لاسيما في النعال السابقة التي تخرز من الجلود, فإن غسلها لا شك أنه يؤثر فيه, ثم إذا غسلت ودخل بها المسجد من حين يغسلها لوث المسجد من جهة أخرى, وهو الرطوبة التي قد لا تخلو من رائحة؛ فلهذا تبين أن عين الصواب ما دل عليه الحديث؛ لأنه أيسر وأوفق لقواعد الشريعة.
وقال بعض أهل العلم: يجب أن يغسل بناء على قاعدة عندهم, وهي: «أنه لا يزيل النجس إلا الماء الطهور» , كما قال صاحب زاد المستقنع: «لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس غيره - يعني: غير الماء الطهور -». فلما أورد عليهم ما ثبت من تطهير الخارج من بول وغائط بالأحجار - وهو الذي يسمى الاستجمار - قالوا: إنه مبيح وليس بمطهر, التمسح بالأحجار مبيح وليس بمطهر, فلا نسلم أنه يطهره, وأورد عليهم رفع الحدث بالتيمم قالوا أيضًا: إنه مبيح, ولهذا يكون التيمم مبيح لا رافع, وكذلك الاستجمار, وقالوا: إنه لا يعفى عن أثر الاستجمار إلا في محله فقط, فلو فرض أن اللباس صار رطبًا وأصاب المكان فإنه ينجس اللباس؛ لأن العفو عن محل الاستجمار إنما هو في محله للاستباحة, لكن هذا القول - كما يتبين - ضعيف جدًا, والصواب أن التيمم رافع, وأن الاستجمار مطهر, ومر علينا هذا في حديث ابن مسعود أنهما لا يطهران.