أقل، نقول: إن قلنا بأنها لا تصح صلاة المأموم عن يسار الإمام مع خلو يمينه فالحركة واجبة؛ لأنها تتوقف عليها صحة الصلاة، وإن قلنا: بأنه سنة بأن كونه عن يمينه أفضل من كونه عن يساره، وتصح الصلاة فالحركة مستحبة، وهذه المسألة فيها خلاف، والراجح أن وقوف المأموم عن يمين الإمام مستحب، وليس بواجب، وأنها تصح صلاة المأموم عن يسار الإمام مع خلو يمينه، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك غاية ما هناك أنه فعل والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وهذه قاعدة أصولية فقهية "أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب".
فإن قال قائل: كون الرسول يتحرك، وابن عباس يتحرك ألا يدل على الوجوب؟
قلنا: لو كانت هذه الحركة محرمة - يعني: كثيرة بحيث تبطل الصلاة - لقلنا هذا يدل على الوجوب، لكن هذه حركة يسيرة لإكمال الصلاة، فالقول الراجح في هذه المسألة أن الصلاة تصح عن يسار الإمام مع خلو يمينه فيما إذا كانا اثنين، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن رحمه الله وتنزيله على القواعد واضح كما سمعتم، بقينا بالحركة المكروهة، هل اليسيرة لغير حاجة هذه مكروهة، مثاله: إنسان قام يصلح الغترة، أو الطاقية، أو العقال، أو ما أشبه ذلك، حركة ما لها حاجة هذه مكروهة تنقص الصلاة، لكن لا تبطلها، فإن قيل: هل منها أن يحك جلده إذا التهب عليه؟ مكروه أو غير مكروه؟ نقول: حك الجلد إذا التهب عليه أفضل من تركه؛ يعني: فتكون الحركة مستحبة؛ لأن اشتغال قلب الإنسان سبب الالتهاب أكثر من اشتغاله بحركة يده لتبريد الحكة، ومن المعلوم أنا نرتكب الأدنى قبل الأعلى. لو قال قائل: دائما يحك الإنسان وإذا به ينتقل الالتهاب إلى محمل آخر هل يتابعه؟ يتابع، إلا إذا توالى وكثر فلا يتابع فإنه محرم؛ لأن الحركة المباحة هي اليسيرة ولحاجة أو الكثرة للضرورة، اليسيرة لحاجة عرفتموها كالحكة، وما أشبه ذلك، الكثيرة للضرورة كإنسان عدا عليه سبع وهو يصلي فأراد أن يدافع عن نفسه واقتضى ذلك عملا كثيرا، العمل هنا جائز أو غير جائز؟ جائز للضرورة، أما إذا كان العمل كثيرا متواليا لغير ضرورة فإنه يبطل الصلاة.
المحرم: الكثير المتوالي لغير ضرورة هذا حرام، ويبطل الصلاة.
فإذا قال قائل: ما هو الضابط في الكثير واليسير؟
قلنا: الضابط العادة والعرف، فإذا رأينا هذا الرجل يتحرك حركات كثيرة لم تجر العادة بها فهو كثير، ويمكن أن يقال ضابطه: أن من شاهده يعمل هذه الأعمال يظن أنه في غير صلاة، يعني: هذا هو الذي ينافي الصلاة.