للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقبل عليها وهو خالي الذهن عير مشتغل بشيء، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بحضرة الطعام.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو غلبت الوساوس من تناول الطعام ومدافعة الأخبثين على الصلاة فإنها لا تصلح، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بناء على وجوب الخشوع.

ومن الفوائد: تأخير الصلاة عن أول وقتها إلى آخره إذا كان بحضرة طعام أو يدافعه الأخبثان، وجه ذلك: أن تقديمها في أول الوقت سنة، والصلاة حال مدافعة الأخبثين وحضور الطعام إما محرمة أو مكرهة كراهة شديدة، ومن المعلوم أنه إذا تعارض فعل السنة مع درء محرم أو مكروه كراهة شديدة أن يقدم الثاني.

ومنها: أن المحافظة على كمال ذات العبادة أولى من المحافظة على كمال وقتها، وجه ذلك: أن الصلاة في أول الوقت أفضل من حيث الزمن، لكن صلاتها بخشوع وحضور قلب أفضل، الفضيلة الأولى تتعلق بالزمن وهذا يتعلق بذات العبادة، وعليه فمراعاة الفضيلة التي تتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة التي تتعلق بزمان العبادة.

قال أهل العلم: وكذلك ما يتعلق بمكانها: إذا تعارضت فضيلة تتعلق بالمكان وفضيلة تتعلق بحضور القلب؛ فالأولى المحافظة على ما يتعلق بذات العبادة، ومثلوا له بالدنو من الكعبة والرمل إذا تعارض دنوه من الكعبة والرمل في طواف القدوم فمراعاة الرمل أولى من مراعاة القرب من الكعبة؛ لأن الرمل يتعلق بذات العبادة بذات الطواف، وأما القرب فيتعلق بمكانها، ومن ذلك أيضا: لو تعارض السعي بين العلمين في المسعى لكن في الدور الأعلى أو المشي بين العلمين لعدم القدرة على السعي فأيهما يقدم؟ الأول يقدم، هذا إذا قلنا: إن بين الدور الأرضي والأعلى فرقا، أما إذا قلنا: لا فرق؛ لأن الهواء تابع للقرار فلا تعارض أصلا، لكن بعض العلماء أشكل عليهم السعي في الطابق العلوي، ولكنه لا وجه للإشكال لأن الهواء تابع للقرار، والجبلان - الصفا والمروة- يرتفعان فوق مستوى الطابق الأعلى والأوسط أيضا، فيصدق على من سعى في الطابق الأعلى والطابق الأوسط أنه سعى بين الصفا والمروة فلا وجه للإشكال، وبناء على هذا يقول: ليس هناك معارضة بل هناك مفاضلة هل يتعب ويصعد أو يسعى في الأرض، وأكثر الناس أحب إليه أن يصعد ويسعى في استراحة وعدم ضيق.

ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أنه يراعي الطعام الحاضر ولو فات الوقت لعموم قوله: "لا صلاة بحضرة طعام"، وهذا عام في الأوقات كلها؛ يعني: عام في كل الوقت، يعني: لا تصلي بحضرة طعام ولو فات الوقت، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، وقال: إن تأخير الصلاة عن وقتها من أجل الحصول على فراغ القلب وعدم شتاته جائز؛ لكن الجمهور يقولون: إنه إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>