خاف فوات الوقت فإنه يصلي ولو كان بحضرة الطعام وهذا أقرب، لكن مسألة مدافعة الأخبثين قد يقال: إنه يؤخرها عن الوقت؛ لأنه لا يمكن أن يصلي وهو يدافع الأخبثين، لاسيما إذا كان من الناس الذي إذا اشتد عليهم الحصار انطلق الأمر من أيديهم، فهذا يعني: أنه لو تمسك ربما يحدث بعير اختيار منه، فالفرق بينهما من حيث المراعاة واضح جدا.
ومن فوائد هذا الحديث: مراعاة حال الإنسان وقيامه بحقوق نفسه؛ لأن كونه يحضر الطعام بين يديه وهو مشتاق إليه جدا ويتشوش فكره إذا لم يأكل فنقول له: "كل" هذا لا شك أنه مراعاة ورأفة وتيسير على العبد.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لابد أن يكون مشتهيا للطعام جدا، من أين يأخذه؟ من أننا نعلم أن العلة في النهي عن الصلاة عند حضور الطعام هو ذهاب الخشوع واشتغال القلب، فإذا لم يكن مشتاقا إليه كثيرا فإنه لا نهي؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
ومن فوائد الحديث أيضا: أنه لو حضر عنده طعام لا يمكنه تناوله وهو مشتهيه فإنه لا يدع الصلاة من أجله بل يصلي، وجه ذلك: لأن تركه للصلاة لا يفيد شيئا؛ إذ إنه لو ترك الصلاة ووقف يأكل هل يمكن أن يأكل؟ لا يمكن، وله أمثلة منها: أن يكون الطعام لغيره وهو يعلم أنه لا يأذن في أكله، فهنا الطعام حرام عليه لا يجوز أن يأكله حتى سواء صلى أو لم يصل.
ومنها: لو قدم لفطور عند غروب الشمس وقد استيقظ فهل نقول: انتظر لا تصل العصر حتى تفطر بعد الغروب؟ الجواب: لا؛ لأنه لا يستفيد من هذا شيئا، غذ إن لا يمكن أن يأكل.
ومن فوائد هذا الحديث: أن إحساس الإنسان بالبول أو الغائط بدون مدافعة لا يمنع من الصلاة؛ لقوله: "يدافعه"، فإحساس الإنسان بالبول أو الغائط بدون مدافعة لا يمنع من الصلاة؛ لقوله: "يدافعه"، فإحساس الإنسان بامتلاء المثانة من البول دون ان يكون هناك مدافعة لا يمنعه من الصلاة لعدم اشتغال القلب.
فإن قال قائل: وهل مثل ذلك إذا كان يدافع الريح؟
الجواب: نعم؛ لعدم الفرق؛ ولأن الريح إذا امتلأت الأمعاء منها ربما تخرج بدون اختيار الإنسان فيكون عذره باحتقان الريح كعذره باحتقان البول أو الغائط.
ومن فوائد هذا الحديث: وصف البول والغائط بأنهما الأخبثان، فهل يعني ذلك أنهما أغلظ النجاسات؟ الجواب: بالنسبة للآدمي لا شك أنهما أغلظ النجاسات، فالمذي مثلا نجس ولكنه أخف من البول والغائط، فإنه يكفي فيه النضح، والدم - دم الآدمي- عند من يقول بنجاسته أخف من البول أو الغائط فهما أخبثان بالنسبة لما يخرج من الإنسان وليس أخبثان بالنسبة لجميع النجاسات؛ لأن نجاسة الكلب أخبث فإنها لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداهما بالتراب.
فإن قال قائل: هل النفي هنا "لا صلاة" نفي للابتداء، أو للابتداء والاستمرار؟
فالأصل أنه للابتداء, لكن لو حدث أو لو طرأ على الإنسان في أثناء الصلاة مدافعة الأخبثين فهل تبطل الصلاة, أو نقول: لك أن تنصرف ولك أن تستمر؟ الجواب: الثاني, أن له أن يستمر وله أن ينصرف لكن إذا كانت المدافعة شديدة فالأولى ألا يستمر لما في ذلك من الأضرار على نفسه, واشتغال القلب كثيرًا عن صلاته, فما وجه دخول هذا الحديث في باب الخشوع في الصلاة هو واضح؛ لأن مدافعة الأخبثين وحضور الطعام المباح الذي يشتهيه ينافي الخشوع.