يكفيه؛ وهذا القول أقرب للصواب؛ لأنه يصدق عليه أنه قرأ، ولأننا لو قلنا: إنه يشترط أن يسمع نفسه لانفتح على الإنسان باب الوسواس فيقول: هل أنا أسمعت نفسي أو لا، ثم إن رفع صوته زيادة شوش على الناس، فالراجح أنه لا يشترط أن يسمع نفسه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهل نقول هذا في كل قول اعتبر فيه النطق أنه لابد أن يسمع نفسه أو لا؟ مثلًا لو طلق الإنسان زوجته، وقال: زوجتي طالق، بكلام لم يسمعه لكنه نطق به، فهل تطلق أو لا؟ نقول: أما على القول بأنه لا يشترط في القول إسماع النفس فإنها تطلق، وأما على القول بأنه يشترط إسماع النفس فقالوا: إنها تطلق أيضًا احتياطيًا للطلاق، وأوجبنا إسماع نفسه في القراءة احتياطًا للركن أن يأتي به، والقول الراجح في الأمرين: أنه لا يشترط إسماع نفسه لا في الطلاق ولا في القراءة، لكن لو أطلق وسواس، يعني: بعض الناس- نسأل الله العافية- يصاب بالوسواس في الطلاق، هو طلق لكن بغير إرادة هل يقع الطلاق أم لا؟ لا يقع الطلاق، لأنه مغلوب عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا طلاق في إغلاق".
ومن فوائد هذا الحديث:" تيسير هذه الشريعة الإسلامية التي اسأل الله أن يتوفاني وإياكم عليها كلها يسر؛ ولهذا قال: "ما تيسر معك من القرآن"، وهكذا كل أوامر الشريعة على هذا الأساس، اسمع قول الله عز وجل:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العشر}[البقرة: ١٨٥]. واسمع قوله:{وما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج: ٧٨]. واسمع توصية النبي صلى الله عليه وسلم لرسله الذين يبعثهم إلى دعوة الناس يقول: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين". ومن تأمل الشريعة وجدها مبنية على ذلك إن وجئت الأوامر من أصلها وجدتها ميسرة إن جئت الأوامر حين الصعوبة تجد أنها تيسر والحمد لله.
فإن قال قائل: هل يقرأ القرآن بلغته أو باللغة العربية؟
فالجواب: باللغة العربية؛ لأنه لا يصدق عليه أنه قرأ القرآن إلا إذا قرأه باللغة العربية، "اقرأ ما تيسر من القرآن" اللغة غير العربية لا تسمى قرآنًا.
فإن قال قائل: إذا كان لا يستطيع إلا لغته نقول: الحمد لله يأتي بدل القرآن بالذكر الذي يتلى في أثناء هذا الحديث: "احمد الله وكبره وهلله"؛ لأن الذكر لا يشترط أن يكون باللغة العربية.
فنقول: الآن أنت عاجز عن الفاتحة، "هلل واحمد وكبر" بلغتك.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الذي يلي القراءة الركوع: "ثم اركع"، فلوسها واستفتح، ثم ركع، ثم قام، وقرأ الفاتحة، فإن ذلك لا يصح، بل عليه أن يعيد الركوع مرة ثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب هذه الأركان بـ "ثم".