للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم؛ لأننا لو جوزنا هذا لادعى مدعٍ أنهم قد يكونون قد خانوا الرسالة، وهذا لا يمكن، يمتنع عليهم الكذب، فإنه لا يمكن أن يفعلون بأي حال من الأحوال لا جدًّا ولا مزحًا، يمكن أن يتأولوا ويأتوا بالتورية هذا ممكن، أما الكذب الصريح فلا يمكن هذا في حقهم، حتى إن النبي لا يمكن أن يشير بعينه على خلاف ما يفهمه مخاطبه يعني: لا يخون ولو بلحظة البصر؛ لأن هذا نوع من الخيانة، فالمهم أن ما يتعلق بالأمانة والصدق هم ممنوعون مما يخل به، كذلك ممنوعون مما يخل بالشرف والأخلاق هم ممنوعون منه بتاتًا؛ لأنهم إنما بُعثوا بمكارم الأخلاق، وبُعث النبي ليتمم مكارم الأخلاق، لكن ما يقع منهم من الذنوب فهي ترجع إلى ما تقتضيه النفس ويخطئ فيه الاجتهاد فقط.

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- مفتقر إلى دعاء الله لقوله: "فاغفر لي ذنوبي جميعًا".

ومن فوائد هذا الحديث: التوسل إلى الله- تبارك وتعالى- بذكر صفته لقوله: "إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فإذا كان لا يغفر الذنوب إلا أنت فإلى من نرجع؟ إليه- سبحانه وتعالى-؛ لأنه لا ملجأ لنا ولا منجى في طلب المغفرة إلا إليه- سبحانه وتعالى-.

وقوله: "واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئ الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت"، "اهدني لأحسن الأخلاق" أي: هداية علم وإرشاد، وأحسن الأخلاق أي: أكملها وأتمها، والأخلاق جميع خلق وهو الصفة الباطنة، والخَلق الصفة الظاهرة، فالإنسان خَلق وخُلق، الخُلق في الباطن والخَلق في الظاهر، وهذا يشمل الأخلاق فيما بين الإنسان وفيما بينه وبين العباد، "أحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت" هذا إظهار افتقار لله (عز وجل) وتوسل له بهذه الصفة، وهي أنه لا يستطيع أحد أن يهدي لأحسنها إلا الله (عز وجل).

قال: "واصرف عني سيئ الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت" عكس ما سبق، اصرفها عني بحيث لا أهتدي لها ولا أتلبس بها "لا يصرف عني سيئها إلا أنت".

"لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك" لبيك، أي: إجابة لك، وهي- كما ترون- بصيغة التثنية، وهل المراد الدلالة على التكرار، أو المراد حقيقة التثنية؟ الأول هو المراد؛ أي: أن المعنى: إجابة لك بعد إجابة مثل قوله تعالى: {ثم ارجع البصر كرتين} [الملك: ٤]. المراد: مطلق التعدد؛ أي: كرة بعد كرة، فيشمل إلى ما شاء الله، ومعنى "لبيك": إجابة، وهو واضح في كلام

<<  <  ج: ص:  >  >>