الناس، إذا دعاك رجل تقول له: لبيك، وقيل المعنى: إقامة من قولهم: ألب في المكان؛ إذا أقام فيه، ولا مانع من أن نقول: إجابة لك وإقامة على طاعتك؛ فيكون شاملًا للمعنيين، "وسعديك" أي: إسعادًا بعد إسعاد، والمراد بـ "سعديك" أي: معونتك وإسعادك؛ أي: أكون سعيدًا، ونقول فيه كما قلنا في "لبيك" أن المراد بذلك: مطلق التكرار لا التثنية.
"والخير كله في يديك" أي: الخير في الدنيا والآخرة كله لله (عز وجل) هو الذي يقدره، وهو الذي يعطيه من شاء ويمنعه من شاء على ما تقتضيه حكمته وعدله.
"والشر ليس إليك" يعني: الشر لا ينسب إلى الله (عز وجل)؛ لأن أفعاله كلها خير وليس فيها شرٌّ بوجه من الوجوه، حتى ما يكون من المخلوقات من الشرور فإنه لا يكون شرًّا بالنسبة لإيجاد الله له، "والشر ليس إليك أنا بك وإليك" أنا بك، أي: وجودي بك وقوتي بك وعملي بك، فالباء هنا للاستعانة، "وإليك": الغاية والقصد، ففي الأول استعانة، وفي الثاني إخلاص إليك وحدك لا أرجع لغيرك، "أنا بك وإليك تباركت وتعاليت" تباركت أي: حلت البركة فيك" بمعنى: أن اسمك مبارك وذكرك مبارك وكلامك مبارك، وكل ما يصدر عن الله (عز وجل) فإنه مبارك، "فتعاليت" أي: ترفعت مكانًا ومنزلة، وهو أبلغ من قوله: "علوت"؛ لأن فيها- أي: في تعاليت- إشارة إلى الترفع ترفعه عن كل سفور- سبحانه وتعالى-.
"أستغفرك": أطلب مغفرتك، والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه، "وأتوب إليك": أرجع إليك من معصيتك إلى طاعتك، وهي بمعنى: أسألك التوبة، فهي خبر بمعنى الدعاء، نرجع إلى فوائد الحديث من قوله: "واهدني لأحسن ... ".
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مفتقر إلى الله- تبارك وتعالى-؛ وذلك بطلب دعائه إياه، ولو كان غنيًّا عن الله ما احتاج أن يدعوه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن كل أحد محتاج إلى حسن الأخلاق بل إلى أحسنها؛ لأنه إذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) محتاجًا لذلك فمن دونه من باب أولى.
فإن قال قائل: أو ليس الله تعالى قد قال: {وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ} [القلم: ٤].
فالجواب: بلى، فيقول: إذن ما الفائدة من قوله: "اهدني لأحسن الأخلاق" فنقول:
أولًا: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث دعا إلى ما هو أكمل مما أخبر الله به عنه: "لأحسن الأخلاق" هذه واحدة.
ثانيًا: أن الدعاء قد يكون المراد به: الثبات على أحسن الأخلاق، وإن كان في الداعي أصل الخلق الحسن، لكن يسأل الله أن يثبته.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا قادر على الهداية لأحسن الأخلاق إلا الله (عز وجل) لقوله: "لا يهدي لأحسنها إلا أنت".
ومن فوائده: التوكل على الله بصفاته المناسبة لما يدعو به الإنسان لقوله: "لا يهدي لأحسنها إلا أنت".
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان محتاج إلى أمرين بالنسبة للأخلاق: خلو من الأخلاق السيئة، واتصاف بالأخلاق الكاملة، ولهذا قال: "اصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت"، ولا يكمل الإنسان إلا بهذا: بالخلو من الأخلاق السيئة، والاتصاف بالأخلاق الحسنة.