الإشكال الثاني: كيف تجمع بين هذا وبين قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في الإيمان بالقدر:"أن تؤمن بالقدر خيره وشره". والقدر من الله (عز وجل) خيره وشره، فأثبت أن في قدر الله شرًّا.
الجواب: أما الأول فنقول: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"الشر ليس إليك"، ولم يقل: الشر ليس منك، أي: لا يُنسب إليه الشر، فيقال: إن الله شرير (عز وجل) حاشاه وكلا، وفرق بين العبارتين، وإذا عرفت الفرق بين العبارتين تبين أنه لا حجة لبعض القدرية الذين يقولون: إن الله مقدر للخير وليس مقدرًا للشر، ويستدلون بهذا الحديث.
نقول: أمعنوا النظر، افهموا العبارة:"الشر ليس إليك" غير "الشر ليس منك" هذه واحدة، أما الجمع بين هذا الحديث وحديث الإيمان بالقدر:"أن تؤمن بالقدر خيره وشره" فنقول: المراد بالشر الذي في الإيمان بالقدر: شر المخلوقات المفعولات لا شر الخالق الفاعل، ففعل الله ليس فيه شر؛ الشر في المفعولات يعني: في المخلوقات؛ يعني: مثلًا خلق الله (عز وجل) سِباعًا وثعابين وعقارب كل هذه شرور بالنسبة للإنسان، يخلق الله تعالى الزلازل والصواعق والفيضانات كلها شر بالنسبة للإنسان، لكن بالنسبة لإيجاد الله لها وفعله لها هل هي شر؟ لا؛ والله هي خير عظيم لها فوائد جمة، أشار الله تعالى إلى بعضها في القرآن، قال الله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}[الروم: ٤١].
والرجوع إلى طاعة الله خير عظيم، {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء}[الشورى: ٣٧] هذا خير أيضًا.
ومن الخير: أن تعلم كمال قدرة الله (عز وجل)؛ حيث خلق للناس ما فيه منفعة عظيمة وكثيرة، انظر إلى الذئب جسمه بالنسبة للبعير صغير كيد من أيديه ومع ذلك انظر ضرره على الخلق وانظر نفع البعير.
قال الله (عز وجل): {ولهم فيها منافع ومشارب}[يس: ٧٣]. فيتبين بذلك قدرة الله (عز وجل) كيف خلق من الضار نافع، ومن الحِكم: أن كثيرًا من الناس لا يقرأ الأوراد ولا يلتفت إليها إلا إذا خاف من ذات الشرور، ولولا ذات الشرور ما اهتم بالأوراد ولا بالذكر هذه فائدة، وهناك فوائد أخرى تظهر للمتأمل.
يتبين الآن أن إيجاد الله تعالى لهذه الشرور ليس شرًّا بالنسبة إلى الله، بل هو خير عظيم يظهر للمتأمل، وبذلك صدق قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "والشر ليس إليك".
هل يجوز أن يقول الإنسان: بيدك الخير والشر؟
الجواب: لا؛ لأنه إذا قال هذا نسب الشر إلى الله، إذا قال هذا خالف ما جاءت به السنة:"الخير في يديك والشر ليس إليك".