من فوائد هذا الحديث: مشروعية التكبير عند الدخول في الصلاة، وهذه تكبيرة الإحرام، وقد سبق أنها ركن من أركان الصلاة، وأنه لا يدخل الإنسان في صلاته إلا بها لا في الفريضة ولا في النافلة، فلو نسي أن يكبر لم تنعقد الصلاة، لا نقول: بطلت صلاته، بل لم تنعقد صلاته، والفرق بين قولنا: لم تنعقد الصلاة وقولنا: بطلت؛ أن بطلت فيما صح أولًا ثم طرأ عليه البطلان، وأما لم تنعقد فهو لم يصح ابتداءً.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الإسرار بالاستفتاح لقوله: "سكت هنيهة".
ومن فوائده: أن السكوت يطلق على القول الذي لا يُسمع مع أنه- أي: القائل المتكلم- تكلَّم ولم يسكت.
ومنها: أن الصلاة ليس فيها سكوت بل كلها ذكر، دليل ذلك أن أبا هريرة- رضي الله عنه- سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- ماذا يقول؟ ولم يقل لِمَ سكت؟ قال: ماذا تقول؟ وهو دليل على أن الصلاة ليس فيها سكوت مطلق بل لابد فيها من ذكر.
ومن فوائد هذا الحديث: تأدب الصحابة- رضي الله عنهم- مع النبي؛ لأن أبا هريرة قدَّم ما يفيد الأدب في قوله:"بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك".
ومن فوائد هذا الحديث: جواز فداء النبي- صلى الله عليه وسلم- بالأبوين، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم أقرَّه على ذلك، فالدليل هو إقرار النبي- صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وهل يُفدى الأبوان بغير النبي- صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: نعم، إذا كان هذا الذي افتديته بالأبوين له مقام في الإسلام من علم أو مال أو ما أشبه ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية الاستفتاح بهذا الدعاء؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يستفتح به، وهل يُقال: إنه خاصٌّ بالصلاة الجهرية، أو يقال: كما ثبت في الصلاة الجهرية ثبت في السرية؟ الثاني، لكن لما كانت الصلاة السرية لا يُجهر فيها بشيء لم يكن مستغربًا أن يسكت بين القراءة والتكبير.
إذا قال قائل: كيف نجمع بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى التي تدل على أن النبي- صلى الله عليه وسلم- يستفتح بغير ذلك؟
فالجواب: أن هذا من تنوع العبادات، وتنوع العبادات أنواعًا، منها ما يكون التنوع فيه في أذكارها، ومنها ما يكون التنوع فيه في أعدادها، ومنها ما يكون التنوع فيه بأوقاتها حسب ما يقتضيه الحال، فمثلًا صلاة العشاء كان النبي- صلى الله عليه وسلم- تارة يُقدمها وتارة يؤخرها بحسب الحال، الوتر تارة يوتر بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة هذا تنوع بالعدد، التنوع بأذكارها الاستفتاح في التشهد، الذكر بعد الرفع من الركوع هذا متنوع بأذكارها.
فإذا قال قائل: ما هو الجواب عن هذا الحديث مع أحاديث أخرى تدل على الاستفتاح بغيره؟