فالجواب: أن هذا من باب تنوع العبادات، ثم هل يقتصر الإنسان على نوع منها أو يفعل هذا مرة وهذا مرة، أو يجمع بينها؟ نقول: الأفضل أن يفعل هذا مرة وهذا مرة، وألا يجمع بينها إذا دلَّ الدليل على هذا، وأما من تمسك بنوع منها واقتصر عليه فهذا على خير لاشك، لكن تمام التأسي بالرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يفعل هذا مرة وهذا مرة.
وفي فعل العبادات المتنوعة على وجوهها فوائد ثلاث:
الفائدة الأولى: تمام التأسي بالنبي- صلى الله عليه وسلم-.
والفائدة الثانية: أحْضَر للقلب؛ لأنه لو لزم شيئًا واحدًا صار يقوله بغير حضور قلب.
الثالثة: أحفظ للسُّنة. هذه ثلاث فوائد في كون الإنسان يفعل العبادات المتنوعة التي جاءت على وجوه تارة هذه وتارة هذه، لكن ما أمكن جمعه فإنه يُجمع كأذكار الصلوات بعد التسليم هذه وردت بهذا وبهذا وبهذا، ولكن العلماء قالوا: إنه يُجمع بينها ولا يُقتصر على نوع لإمكان الجمع، والجمع بينها مع إمكانه أحوط في التأسي بالنبي- صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قد ينقل عنه بعض الصحابة ما لم يسمعه الآخر، فالاحتياط أن يأتي بكل ما ورد متى أمكن الجمع.
إذا قال قائل: ألا يمكن الجمع في أدعية الاستفتاح؟
فالجواب: لا يمكن؛ لأن أبا هريرة لما سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- ما تقول؟ قال: أقول كذا، وهذا يدل على أنه لا جمع.
ومن فوائد هذا الحديث: ما دلَّ عليه هذا الاستفتاح من الأدعية العظيمة وهو:
أولًا: المباعدة بين الإنسان وبين الذنوب: "اللهمَّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب"، وهذا قبل الفعل.
والثاني: "اللهمَّ نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس"، فيشرع الدعاء بهذه الجملة لأجل تنقية الإنسان من الذنوب، وهذا دون الأول.
ثالثًا: أنه ينبغي الدعاء بالجملة الأخيرة: "اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" وبذلك يعود ثوب الإنسان نظيفًا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد يُخطئ؛ لأنه قال: "اللهم نقني من خطاياي"، "اللهم اغسلني من خطاياي"، لو كان الدعاء مقصورًا على الجملة الأولى "اللهم باعد" لقلنا: إن هذا لا يدل على أنه يُخطئ، لكن لما جاءت "نقني" و"اغسلني" دل هذا على أنه يُخطئ، ولكن الله تعالى أجاب دعاءه فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلو قال قائل: إذا كان قد غُفر له ما تقدم وما تأخر فما فائدة الدعاء؟