للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: ألا ينزل بالإنسان شر.

والثاني: أنه إذا نزل لا يضره.

كلمة ((ق)) فعل أمر من وقى، حذف منها حروف العلة وهي الواو في أولها والألف في آخرها ولها نظائر مثل ((ع)) من الوعي ((ف)) من الوفاء، وقد ذكر الخضري رحمه الله في حاشيته على شرح ابن عقيل عدة كلمات من هذا النوع، وعلى هذا لو قال قائل: زن ((ف)) أمرًا من وفى، فما وزنها؟ الآن وفى يفي ما الذي حذف منها؟ الفاء واللام، فيكون ((ف)) على وزن ((ع)). ((ع)) من الوعي.

وقوله: ((شر ما قضيت)) أي: شر الذي قضيته، فالشر هنا في المقضي وليس في القضاء، واعلم أن أفعال الله عز وجل لها جهتان:

الجهة الأولى: صدورها من الله عز وجل، فليس في شر إطلاقًا، كلها خير، أما من حيث المفعول المخلوق فهذا فيه خير وفيه شر، قال الله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق* من شر ما خلق} [الفلق: ١ - ٢]. فما وقع من الشر بالنسبة لفعل الله فهو خير، وبالنسبة للمفعول فمنه خير ومنه شر.

مثال ذلك: إن الله عز وجل يقدر الجدب والقحط، القحط: قلة المطر، والجدب: قلة النبات نفس هذا الشيء شر، لا يلائم الطبيعة، وربما يضر، لكن كون الله يقدره خير؛ لأن فيه مصلحة أشار الله إليها في قوله: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: ٤١].

كذلك المرض من حيث هو مرض شر، لكن من حيث تقدير الله له خير؛ وذلك لأن أي مريض ربما يحمله مرضه إلى اللجوء إلى الله عز وجل وكم من إنسان كان مرضه سببا لاستقامة دينه، ولأجل أن يعرف الإنسان به قدر نعمة العافية؛ لأنه لا يعرف العافية إلا من ابتلي بضدها، كما قال الأول ((وبضدها تتميز الأشياء))، وأيضًا ما يترتب على هذا المرض من كفارة الذنوب والثواب عند الاحتساب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والشر ليس إليك)). يعني: لا ينسب الشر إلى الله عز وجل قضاء وقدرًا وإنما ينسب الشر إلى المقضيات والمخلوقات أما فعل الله فكله خير، هذا هو الفرق بين القضاء والمقضي، القضاء خير كله يجب علينا أن نرضاه، المقضي منه خير ومنه شر، ولا يجب علينا أن نرضى به إذا كان معصية لله، لو قدر الله انتشار الفواحش والربا والخمر فنحن نرضى بقضاء الله أي يكون الله قضى أن تنتشر هذه الأشياء، لكن بالنسبة لهذه الأشياء لا نرضاها، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

<<  <  ج: ص:  >  >>