للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلذاك نرضى بالقضاء ونسخط ال مقضي مضا الأمرين متحدان

إذن ((شر ما قضيت)) لا يقال: هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشر ليس إليك)((وقني شر ما قضيت)) وقوله: ((قضيت)) اعلم أن القضاء نوعان: قضاء شرعي، وقضاء كوني، أما الشرعي فمثاله قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: ٢٣].هذا قضاء شرعي، وهل يلزم امتثال النفي له؟ لا، من الناس من يعبد الله وحده، ومن الناس من يشرك، الثاني: القضاء الكوني القدري، وهذا لابد أن ينفذ في الإنسان على كل حال مثل قوله تعالى: {فلما قضينا عليه الموت} [سبأ: ١٤]. هذا قضاء قدري، ومثل قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} [الإسراء: ٤]. هذا قضاء قدري؛ لأن الله لا يقضي عليهم شرعا أن يفسدوا في الأرض بل ينهاهم عن هذا.

قوله: ((وقني شر ما قضيت)) القدري أو الشرعي؟ القدري؛ لأن الشرعي ليس فيه شر.

((وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك) تقضي: تحكم بما شئت، ولا يقضى عليك لا أحد يحكم عليك، واسمع إلى قوله تعالى: {والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} [غافر: ٢٠]. لا حق ولا باطل، لأنهم لا يملكون نفعا ولا ضرا، وتأمل بلاغة القرآن لم يقل: لا يقضون بالحق، لأنهم لا يقضون بشيء ولا يملكون القضاء بشيء، وهل يقضي على نفسه؟ نعم يقضي على نفسه، قال الله - تبارك وتعالى-: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: ٥٤]. ((كتب)) بمعنى: أوجب، فهو يقضي على نفسه، ويقضي على غيره، لكنه لا يقضي عليه فإنه لا يذل، والمعروف أنه بدون فاء ((إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) إنه لا يذل من واليت: أي من كنت وليا له، والمراد بالولاية هنا: الولاية الخاصة، أما الولاية العامة الشاملة لجميع الخلق، فهذه قد يذل من يولى، لكن الولاية الخاصة لا يمكن أن يذل، ((تباركت ربنا وتعاليت)) تباركت ربنا؛ أي: عظم شأنك وحلت البركة باسمك، ((ربنا)) يعني: يا ربنا ((تعاليت)) ترفعت عن كل نقص، و ((تعاليت)) أيضًا يمكن أن نحملها معنى آخر أي: ترفعت فوق كل شيء؛ أي: علوا ذاتيا.

وزاد الطبراني: ((ولا يعز من عاديت)) بعد قوله: ((لا يذل من واليت)) يعني: لا يمكن لمن كان عدوا لله أن تكتب له عزة، والعزة هي الغلبة والرفعة والظهور على الغير.

وزاد النسائي من وجه آخر في آخره: ((وصلى الله تعالى على النبي)) يعني: يختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

في هذا الحديث فوائد منها: أهمية هذا الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه سبطه، فدل ذلك على فضله وأهميته.

<<  <  ج: ص:  >  >>