"السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" بدأ بالرسول- عليه الصلاة والسلام- قبل النفس، لأن حق الرسول علينا أعظم من حقوقنا على أنفسنا، ولهذا الترتيب في التشهد ترتيب عجيب أولًا: حق الله عز وجل، ثم حق الرسول- عليه الصلاة والسلام-.
"التحيات لله والصلوات والطيبات" هذا لله، "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" هذه للرسول، "السلام علينا" لأنفسنا، "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" هذا، عام وبدأنا بأنفسنا؛ لأن ذلك هو الأولى، ابدأ بنفسك، "وعلى عباد الله الصالحين"، وهذه العبودية الشرعية، وتشمل كل عبدٍ صالح سواء من هذه الأمة، أو من الأمم السابقة، أو من الملائكة، أو من الجن، كل عبدٍ صالحٍ يدخل في هذا العموم، "وعلى عباد الله الصالحين"، فهذه الجملة من أجمع الجمل.
"أشهد ألا إله إلا الله" أشهد إقرارًا باللسان واعتقادًا بالجنان، فلا يكفي النطق باللسان ولا الإقرار بالجنان لابد من الأمرين، إذن "أشهد" يعني: أعترف بلساني وأعتقد بقلبي، "أن لا إله إلا الله" أي: لا إله حق، وليس معناه نفي الألوهية فيمن سوى الله، لأنه يوجد من سمي إلهًا ولكنه باطل، فيتعين أن يكون المعنى: لا إله حق، فالخبر إذن محذوف وتقديره:"حق"، وقد زعم بعض المعربين أن تقدير الخبر:"موجود" أي: لا إله موجود، وهذا غلط عظيم، لأنك لو قلت: لا إله موجود إلا الله صارت الأصنام آلهة وإلهًا؛ فهذا التقدير خطأ عظيم، والذي قدره من النحاة غفلوا عن مستلزماته، فيجب أن نقدره بكلمة "حق" لدلالة القرآن على هذا {ذلك بأن الله هو الحق}[الحج: ٩]. وعلى هذا يكون قوله:"لا إله" ليس خبلا "لا" بل هو يدل من خبرها المحذوف. "أشهد أن لا إله إلا الله" في نسختي: "لا شريك له" وهذا غير صحيح، "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" أشهد بلساني معتقدًا بجناني بأن محمدًا رسول الله، ذكر باسمه فقط دون اسم أبيه وذلك للعلم به، واسم الأب أو الجد أو القبيلة إنما هو من أجل التعيين، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعين، وعليه إذا تعين اسم الإنسان باسم أبيه فقط يكفي.
"أشهد أن محمدًا عبده ورسوله" هذه الشهادة واجبة، "أشهد أن محمدًا عبده" أي: المتعبد له المتدلل له، وهو أشد لناس عبادةً، حتى كان يقوم في الليل- صلوات الله وسلامه عليه- حتى تتورم قدماه، ويقول:"أفلا أكون عبدًا شكورًا" ورسوله أي: مرسله على الناس جميعًا، بل إلى الإنس والجن كما قال الله تعالى:{وأرسلناك للناس رسولًا وكفى بالله شهيدًا}[النساء: ٧٩].
قال:"ثم يتخير من الدعاء ما أعجبه إليه". "ثم ليتخير" اللام هذه للإباحة، ويتخير بمعنى: يختار: أي: يرى ما هو خير، "وأعجبه إليه" أي: أسره إلى نفسه فيدعو به.