سفيان ومن معه، فهنا أراد الله عز وجل بهذا العموم شيئًا خاصًا، وهذا ما يعبر عنه أصول الفقه بالعام الذي أريد به الخاص، إذا قال الإنسان:"بيوتي وقف"، ثم قال:"أردت من بيوتي ثلاثة" وهن ثلاثون بيتًا يقبل أو لا يقبل؟ يقبل؛ لأنه يجوز أن يريد المتكلم لا باللفظ العام بعض أفراده، ويسمى العام الذي أريد به الخصوص، قال:"نسائي طوالق" وعنده أربع يطلقن؟ يطلقن، إذا قال:"ما أردت إلا فلانة؟ " يقبل؛ لأنه أراد بهذا الآن الخصوص فيصح. لكن لو قال:"نسائي الأربع طوالق" ثم قال: "ما أردت إلا فلانة". لا يقبل، لأنه نص على العدد فلا يقبل.
الشاهد: أن الأصل في العام أنه يشمل جميع الأفراد، ولذلك لو جاء ذلك في لفظ عام: وقال: يخرج منه كذا وكذا؛ فلك أن تطالبه بالدليل؛ لأن الحجة معك، تقول: ما الدليل على أن هذا الفرد خرج من العموم والإنسان عنده دليل من النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبدٍ صالحٍ في السماء والأرض"، إذا دلت القرينة على أن المراد المخصوص، يعني مثلًا قال: أكرم الطلبة، ومعلوم أن الطلبة فيهم صنف مهملون، وفيهم صنف يحضرون بالأبدان ولا يحضرون بالقلوب، والرجل قال لخادمه: أكرم الطلبة، هل يكرم كل الطلبة؟ إذا نظرنا إلى اللفظ قلنا إنه: يكرمهم كلهم، لكن إذا نظرنا للمعنى وأنه إنما أراد إكرام من هو مجتهد نحمل اللفظ على الخاص بالقرينة.
ومن فوائد هذا الحديث: الإقرار لله عز وجل بالتوحيد، الإقرار باللسان المطابق بالقلب:"أشهد أن لا إله إلا الله".
ومنها: أن التعبير بـ"أشهد" يدل على كمال اليقين، لأن الأصل في الشهادة ما شوهد، فإذا كمل اليقين عبر عنه بالشهادة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن لا إله حق إلا الله عز وجل وجميع الآلهة باطلة، قال الله عز وجل:{إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}[النجم: ٢٣]. نقول: لما قالت قريش: إن اللات إله هل صار بذلك إلهًا؟ أبدًا، ولا العزى ولا هبل ولا غيرها، كل مما سوى الله ممن يتعبد له فهو باطل.
ومن فوائد هذا الحديث: علو قدر النبي صلى الله عليه وسلم وعظيم حقه لقوله: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله، فدل هذا على أن حق النبي صلى الله عليه وسلم بعد حق الله ولا يشاركه مخلوق في هذا الحق.
فإن قال قائل: ألم يقل الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}[النساء: ٣٦]؟
فالجواب: بلى، لكن عباد الله لا تتحقق حتى يشهد الإنسان أن محمدًا رسول الله ويتبع شريعته، ولهذا لا يشكل عليك أن الله لم يذكر حق الرسول في هذه الآية، لأننا نقول: عبادة الله تتحقق إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يتبع إلا بعد الشهادة له بالرسالة.