للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أرذل العمر قد عرف بعض الأشياء، ولهذا تجده في بعض الأحيان يصر على أهله أن يأتوا بها، مثلًا إذا كان من أصحاب الغنم صار يهدي بالغنم يوقظ أهله من النوم في وقت الليل ويقول: احضروا لي العنزة الفلانية، وإذا كان من أهل الأموال تجده أيضًا يهدي فيها هذا بتعب، لكن الصبي في باله هذا الشيء؟ أبدًا، ولهذا سمي: "أرذل العمر"، وأرذل صفة اسم تفضيل، يعني: أنه ما في العمر أرذل منه ولو حال الصغر، وهذا يعني: أنه ليس هناك في العمل أرذل من أن يرد إلى أرذل العمر، أقول: أرذل العمر قد يكون طارئًا وقد يكون فارغًا عارضًا، كما لو حصل للإنسان وجع في دماغه من حاجة أو غيره وقد يكون بسبب الكبر.

"وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر"، "فتنة الدنيا" تقدم لنا معناها وهي تعود على أمرين: إما شبهات، وإما شهوات، الشبهات معناها: أن الإنسان يخفى عليه الحق إما بكثرة البدع والأفكار السيئة، أو لغير ذلك من الأسباب، فتجده يكون حيوانًا- والعياذ بالله- لا يدري أين يذهب، وإما شهوة يكون عارفًا بالحق عالمًا به لكنه تريده نفسه تريد وتهوى خلاف الحق.

النصارى فتنتهم شبهة أم شهوة؟ الآن شهوة، ولكن فيما سبق قبل بعثة الرسول- عليه الصلاة والسلام- كانت شبهة؛ لأنهم ضالون، واليهود شهوة؛ لأنهم عالمون بالحق.

وكل من خالف الحق عالمًا به فقد فتن فتنة شهوة- والعياذ بالله-، وكل من خالف الحق جاهلًا به، فقد فتن شبهة. كثير من الناس الآن فتنوا في الدنيا فتنة شهوة يعلمون ما أوجبه الله عليهم ولا أظن أن الناس في عصرٍ من العصور المتأخرة كانوا أعلم بالمسائل الشرعية من عصرنا هذا، لكن- والعياذ بالله- صار عندهم شهوات ميل إلى الباطل.

"وأعوذ بك من عذاب القبر" عذاب القبر ثابت كما سبق بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين. ما دليله من القرآن؟ عدة آياتٍ منها قوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: ٤٦]. ومنها قوله تعالى: {ولو ترى الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون} [الأنعام: ٩٣]. اليوم "أل" هنا للعهد الحضوري مثلها قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم ... } يعني اليوم الحاضر، {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: ٩٣]. ومنها: قوله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذي كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} [الأنفال: ٥٠]. "إذ" ظرف، فصار هذا الأمر متى؟ حينما يتوفون.

وأما السنة فدلالتها كثيرة ظاهرة تبلغ إلى قريب التواتر، أما إجماع المسلمين فكل المسلمين يقولون في صلاتهم: "أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر .. إلخ"، فهل

<<  <  ج: ص:  >  >>