للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعوذ الناس من شيءٍ لا وجود له؟ لا يمكن، لولا أن له وجودًا ما تعوذوا بالله منه، وعلى هذا فيكون عذاب القبر ثابتًا بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ولكن هذا العذاب من نعمة الله عز وجل أن الله لا يطلع عليه أحدًا أبدًا إلا من شاء من خلقه، لأنه لو اطلع عليه لما تدافنوا، ولو اطلع الناس عليه لكان في ذلك فضيحة للمقبور، ولو اطلع الناس عليه لكان في ذلك عار على أهله، ولو اطلع الناس عليه لكان في ذلك أذى على أهله، ولكن من حكمة الله عز وجل أن الله أخفاه، ولو اطلع الناس عليه أيضًا ما كان للإيمان به فائدة، لأنه يكون الآن من أمور الشهادة والفضل، كل الفضل للإيمان بالغيب.

عذاب القبر الأصل أنه على الروح، ولكنها قد تتصل بالبدن، ولاسيما حال الدفن حين يسال الإنسان عن ربه وعن دينه ونبيه، فإنه يضرب بمرزبة من حديدٍ إذا لم يجب، يصيح صيحةً يسمعها كل شيءٍ إلا الثقلين- نعوذ بالله، وقد ثبت عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أنه مر بقبرين في المدينة وقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة".

فهذه الخمس كان الرسول- عليه الصلاة والسلام- يتعوذ بهن في دبر كل صلاة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر".

٣٠٩ - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". رواه مسلم.

هذا أيضًا من الأذكار التي ينبغي أن يقولها الإنسان بعد الصلاة: "كان- عليه الصلاة والسلام- إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا" يعني قال: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ومعنى: "أستغفر الله": أسأل الله المغفرة، والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه، هذه المغفرة قال العلماء: مشتقة من المغفر، والمغفر هو: الذي يوضع على الرأس من حديدٍ ونحوه ليتقى به السهام إذن فهو ساتر وفي نفس الوقت وقاية.

وقوله: "استغفر ثلاثًا" الحكمة من الاستغفار بعد الانصراف من الصلاة؛ لأن الإنسان لا يخلو من تقصير، فهذا الاستغفار إن كانت الصلاة تامة كان كالطابع لها، وإن كان فيها نقص كان كفارة لها، كما جاء ذلك في كفارة المجلس، فهذا الاستغفار بعد أداء العبادة، وهذا كقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>