لا تكليف عليه، فإذا كان لا تكليف عليه فمعنى ذلك أنه يجوز أن يعود في الهبة! ذكرته من أجل أن تعرفوا كيف يتصور بعض العلماء هذا التصور مع أن كل أحد- حتى العامي في السوق- يعرف أن الغرض من هذا: التنفير والتقبيح، وليس في بعض الألفاظ "ليس لنا مثل السوء". العائد في هبته كالكلب.
هل تقول قوله تعالى:{فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث}[الأعراف: ١٧٦]. إن هذا على سبيل الإباحة؟ لا أحد يقول بهذا، هذا أيضًا لو ادعى مدعٍ في هذا الحديث مثل ما ادعى في حديث الهبة، وقال: الحمار ليس عليه تكليف لو حمل الحمار أسفارًا وهو لا يفهمها ليس عليه شيء، يأثم الحمار أم لا يأثم؟ لا يأثم هل أحد يمكن أن يقول في هذا الحديث هذا؟ لا أظن أحدًا يقوله، فإذا كان هذا لا يمكن فكذلك قوله تعالى:{فمثله كمثل الكلب} لا يمكن، فكذلك في حديث الهبة ولا فرق.
يُستفاد من هذا الحديث: جواز تشبيه الإنسان بالحيوان على سبيل التنفير والتحذير؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- شبهه به، ولكن هل نقول ذلك في كل مناسبة مثل لو فرضنا أننا نعلم تلاميذ ولكن ما فهموا، هل يصح أن نقول لهم ذلك؟ لا، بعض المدرسين أبلغني أنه يقول لبعض التلاميذ هكذا: أنتم كمثل الحمير تحمل أسفارًا هذا لا يجوز، لأنها إنما قليت فيمن لا ينتفع بها- بطاعة الله عزّ وجل- لا في صبي يتعلم، ولكن ما فهم من أول مرة فهي تقال في محلها.
ويستفاد من هذا الحديث: حسن تشبيه الرسول- عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الربط بين هذا والحمار في وجه الشبه ظاهر المناسبة.
ويُستفاد من الحديث أيضًا: تحريم إسكات هذا الرجل بالقول، من أين يؤخذ؟ من كونه حرم الأجر؛ لأن الدلالة على التحريم تارة تكون بإثبات الوزر على الفاعل، وتارة تكون بحرمانه الأجر، وهل هناك مثال لتحريم الشيء من أجل حرمان الأجر؟ ذكرناه سابقًا وهو اقتناء الكلب كالماشية ينقص به كل يوم من أجره قيراط أو قيراطان، هذا يدل على تحريم اقتناء الكلب؛ لأن فوات الأجر كحصول الإثم، فإذا كان هذا الفعل يهدم أجر الإنسان ويزيله فهو كالذي يوجب له العقوبة، فهنا لما قال:"ليست له جمعة" علمنا بأن قول الإيمان لصاحبه: "أنصت" حرام.
لو أشار إليه إشارة هل يدخل في الوعيد؟ لا؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول:"والذي يقول له: أنصت"، والقول إذا أطلق فالمراد به اللفظ باللسان، فالكلام بالإشارة لا يدخل في الوعيد.