للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبح الله باسمه، فيكون هنا إذن فائدة ذكر الاسم عظيمة جدًا لئلا يقتصر الإنسان على التسبيح بقلبه الذي لا يظهر معه الاسم.

وقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} الربوية هنا خاصة أو عامة؟ خاصة.

وقوله: {الأعلى} اسم تفضيل محلى بـ"أل" أي: الذي له العلو المطلق علو الذات وعلو الصفات، وهذا التقسيم - تقسيم العلو - إلى علو ذات وعلو صفات أخصر وأجمع وأعم من تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: علو ذات، وعلو قدر، وعلو قهر؛ لأن القدر والقهر من الصفات فيكون هذا أجمع علو القدر، وعلو القهر، وعلو الرحمة، وعلو العفو، فيكون قولنا: علو الذات وعلو الصفات أشمل وأجمع - الله تعالى عالي الصفات وعالي الذات أيضًا - بمعنى: أن ذاته - سبحانه وتعالى - فوق كل شيء، إذن أنت أثبت له مكانًا وهو العلو المطلق العلو الذي ليس فيه شيء معناه: أن هذا المكان الذي لله عز وجل مكان عدمي ليس فيه شيء يحيط بالله عز وجل، ولو كان هناك شيء يحيط به لزم من ذلك انتفاء العلو المطلق؛ لأن هذا المحيط به يكون مساويًا له فليس هناك علو، ويلزم أيضًا منه محظور وهو إحاطة الأشياء به، ولا يحيط بالله شيء، وهذا السبب الذي أوجب لمنكري العلو أن ينكروا علو الذات حتى إنهم - والعياذ بالله - يقولون: من أثبت أن الله عال بذاته فقد وصف الله بأعظم النقص فجعلوا الكمال نقصًا، قالوا: لأنك الآن إما حيزت أو جسمت أو حصرت، ولكن هل يلزم من هذا التجسيم أو الحصر أو التحييز؟ لا يلزم بالمعنى الذي قالوه، فالله عز وجل إن أرادو بالحيز الذي نفوه أنه منحاز عن الخلائق بائن منها منفصل عنها فهذا النفي باطل؛ لأن الله تعالى نثبت أنه منحاز عن الخلائق بائن منها، لم يحل في شيء منها ولا شيء منها حل فيه، إن أرادوا، أيضًا بالحصر أن الأماكن تحصره فهذا باطل ولا نقرهم، وعلى هذا فالحصر ممنوع مطلقًا إن أرادوا بالجسم الذي جعلوا يغنون عليه ويدندونون، إن أرادوا بالجسم: مناف للأجسام المخلوقة فهذا ممتنع وباطل، وإن أرادوا بالجسم الذات المتصفة بما يليق بها فهذا حق، والمهم: أن إثباتنا للعلو الذاتي ليس معناه أننا نقر بأن شيئًا يحيط به، أو أنه - سبحانه وتعالى - لو أزيل هذا الذي علا عليه الله لخر، هذا شيء لا أحد يقوله، فلذلك العلو الذاتي قد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، والعقل، والفطرة، وقد سبق لنا وجه دلالة الأشياء الخمسة عليه.

وأما الثاني: {هل أتاك حديث الغاشية}. الخطاب لمن؟ إما للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يتأتى خطابه، و {هل} استفهام قال بعض العلماء: إن {هل} هنا بمعنى "قد" فهي للتحقيق كما في قوله تعالى: {هل أتى على الإنسن حينٌ من الدهر} [الإنسان: ١]. معناها "قد أتى".

وقال بعضهم: بل هي للاستفهام، ولا نقول: إنها للتحقيق، لكنها متضمنة معنى التقرير

<<  <  ج: ص:  >  >>