والإثبات، وقوله:{حديث الغشية} المراد بالغاشية: القيامة؛ لأنها تغشى الناس وتحيط بهم، وقوله:{هل أتك} حديثها أو نبأها، وهذا يحتمل أن يكون بـ {هل} المراد بها التشويق مثل: {هل أدلكم على تجرة تنجيكم من عذاب أليمٍ}[الصف: ١٠]. وهنا قال:{هل أتك حديث الغشية} ثم قال: {وجوه يومئذ}[الغاشية: ٢]. فهذا مبتدأ لحديث مناسبة هاتين السورتين لصلاة الجمعة ظاهرة لما فيه من مبدأ الخلق، وبيان حكمة الله عز وجل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتذكير، وبيان من ينتفع بالذكرى ومن لا ينتفع، وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام بما يجب عليه من التذكير فإنه لا يضره مخالفة من خالف:{فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر}[الغاشية: ٢١ - ٢٦]. وفيها بيان نهاية الناس، وأنها ترجع إلى الله:{إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم}[الغاشية: ٢٥ - ٢٦]. فالمناسبة فيها ظاهرة جدًا، وهما سورتان لا تشقان على الناس، ولا تمنعان الناس من التلذذ بسماع القرآن، فقد جمعتا بين القصص والفائدة العظيمة.
إذن يستفاد من هذا الحديث: أنه يسن قراءة هاتين السورتين في صلاة العيد والجمعة.
مسألة: هل تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد؟
في آخر الحديث السابق في مسلم - وليت المؤلف جاء به - أنه قال:"وإذا كانت الجمعة يوم العيد قرأ بهما في الصلاتين جميعًا" هذا فيه فائدة عظيمة، وهي أن صلاة الجمعة لا تسقط بصلاة العيد، وأن ما ورد عن ابن الزبير من اقتصاره على الصلاة إنما أرد الجمعة ليجمع بين فعله ووصف ابن عباس له بأنه السنة، وبين ما ثبت في صحيح مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة والعيد جميعًا في يوم واحد، وقد سبق لنا البحث في هذا وبينا أن القول الحق في هذه المسألة أن الجمعة لابد أن تقام، ولكن من حضر العيد فله الرخصة في ترك الجمعة، وعليه أن يصلي الظهر.
٤٣٥ - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العيد، ثم رخص في الجمعة، ثم قال:"من شاء أن يصلي فليصل". رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة.
قوله:"صلى ثم رخص في الجمعة""رخص" يعني: سهل، والرخصة في اللغة: السهولة. وقوله:"صلى ثم رخص" يعني: في نفس اليوم؛ لأن يوم العيد صادف يوم الجمعة.
ثم قال:"من شاء أن يصلي فليصل"، "من شاء أن يصلي" أي: الجمعة، "فليصل"، اللام هنا لام الأمر، والمراد به: الإباحة؛ لأنه جاء جوابًا للمشيئة، وما كان معلقًا بالمشيئة فإنه للإباحة وإن شاء لم يفعله، وإن كان أحيانًا يراد به التهديد كما في قوله تعالى:{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}[الكهف: ٢٩]. لأن هذا ليس باختيار الإنسان، لكن الغرض من ذلك التهديد.